آخر تحديث: 5 / 12 / 2024م - 12:40 ص

للمجتمعات أحكـامها

الشيخ محمد الصفار صحيفة اليوم

سألني صديقي سعيد قبل أيام عن كتاب يتحدث عن (فن اختيار شريكة الحياة) فأماتني ضحكاً، قلت له: وما عساك ستفعل بكل أفكاره وتنظيراته؟ هل أنت في مجتمع مؤلف الكتاب كي تقرأ الكتاب وتستفيد من نظرياته مع من تتعرَّف عليها، لتصبح شريكة الحياة؟ ثم قلت له: تحتاج مزيداً من الوقت لتتعرَّف على بيئتك ونمط حياة مجتمعك، وطريقة مقاربته لمثل هذا الشأن، بعد ذلك أنصحك بقراءة كتاب (فن قبول شريكة الحياة).

ليس كل ما تُنبته الأرض في بقعة ما من بقاع العالم قابلاً للزرع والإنبات في منطقة أخرى، فقد لا تخدمه الأجواء ولا يعينه التراب، ولا يساعده الماء على ذلك، وأغلب الذين عمدوا إلى نقل هذه الزراعات من مكان إلى آخر وجدوا أنفسهم أمام كلفة ومشقة مضاعفة، واحتاجوا لمحميَّات ووسائل تقنية لم تكن هذه الزراعات بحاجتها في أماكنها الطبيعية.

ويمكن جرّ الأمر إلى ما ينجز الإنسان صناعته بيده، فالسيارة التي تصنع في بلد المنشأ وبمواصفاته، قد لا تصلح للاستعمال والخدمة في بلد آخر إلا إذا عولجت بعض الأمور فيها لتناسب تضاريس وطقس ذلك البلد.

قبل سنة تقريباً كنت في الصين وقد استهواني محل يعرض الأجهزة الإلكترونية، سألته عن جوال (بلاك بيري) فقال: عندي تقليد للأصلي، ويمكنك استخدامه لشهر، ومع ظهور أي مشكلة يمكنك إرجاعه وقبض المبلغ الذي دفعته، قلت له سأغادر بعد 5 أيام للسعودية، فقال لي: إذن لا تأخذ الجوال، فلا قدرة له على مقاومة درجات الحرارة العالية.

ينقل الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الفتوى بين الانضباط والتسيب (أن النبي ﷺ كان يُجيب عن السؤال الواحد بأجوبة مختلفة، وذلك لاختلاف أحوال السائلين.. فهو يجيب كل واحد بما يناسب حاله، ويعالج قصوره أو تقصيره، فقد وجدنا من يسأله عن وصية جامعة، فيقول له: لا تغصب، وآخر يقول له: قل: آمنت بالله، ثم استقم. وآخر يقول له: كف عليك لسانك. وهكذا يعطي كل إنسان من الدواء ما يرى أنه أشفى لمرضه، وأصلح لأمره).

ما سبق لا يعني ألا نستفيد من كل أمر وتطوّر وحِراك يحدث هنا أو هناك، ونحاول أقلمته مع أوضاعنا ومنطقتنا وبيئتنا، بل إن ما عنيته بدقة هو أن يعي كل إنسان وكل مجتمع طبيعة البيئة والتفكير والقابلية المتوافرة في ساحته ليدرك بعلم ودراية ما يناسبها من أفكار وتقاليد وتطورات في المناطق الأخرى. يوفر هذا الفهم والإدراك في الحد الأدنى أمرين اثنين: الأول عدم ضياع الجهود التي تبدل طلباً لمحاكاة أي أمر صناعي أو زراعي أو اجتماعي يُستطاب هنا أو هناك، والأمر الثاني هو قلة التكلفة، وكلاهما مهمان ويدلان على عقل وازن، وفهم عميق للمكان والزمان وما يحيط بهما.

التقليد المتسرّع للكثير من القضايا والأمور التي يراها أي مسافر أو متابع لأمر ما، ومحاولة إسقاطها بحذافيرها على منطقة أخرى وبيئة مختلفة، لا تؤدي غالباً إلى النجاح في المشروع التجاري أو الزراعي أو الاجتماعي أو غير ذلك.