آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

المنبر الحسيني العاشورائي....مسؤولية مشتركة

هدى القصاب

يتسم المنبر الحسيني العاشورائي بمفصليته الإعلامية البالغة التأثير من جهة نشر الوعي والثقافة الدينية من خلال اجتذابه لجمهور المستمعين المتنوع «فكرياً، ثقافياً، اجتماعياً وحتى دينياً» والمتفاوت الأعمار، ولهذا التميز اسبابه وخلفياته المستمدة من نهضة شكلت منعطفاً حضارياً وإنسانياً في تاريخ البشرية، بما حوته من منظومة قيم إنسانية «العدل، الحرية، والمساواة، ورفض الظلم... الخ» استهدفت تحقيق كرامة الإنسان ونهضة الأمة.

من منطلق الارتقاء بدور ورسالة المنبر الحسيني العاشورائي، ينبغي أن يرتكز دوره على مجمل المبادئ والأهداف التي خرج من أجلها الحسين ، لكي يكون رافداً ثقافياً نهضوياً لمن أراد التعرف على هوية الفكر الإسلامي الأصيل المنبثق من النهضة الحسينية المباركة.

إنها مسؤولية الجميع للارتقاء بمعادلة المنبر الحسيني ومرتكزاته «الخطيب/ المحتوى أو الخطاب، المخاطب، إدارة المآتم»، فالجميع ولاشك معني بعاشوراء الحسين ع، وتقديمه بصورة عصرية متجددة بعيداً عن التشويه والتوهين والتنفير والاسقاطات العصبية الشخصية الغير منضبطة والمسيئة لرسالة المنبر الحسيني، ولاسيما في ظل التحديات العالمية الراهنة، وتعدد مصادر المعلومة وقنوات الاعلام، فالمسؤولية تكاملية بين عناصر منظومة المنبر الحسيني بما فيها تطوير وتجديد الخطاب نفسه وتقديمه بالوسيلة الأنسب، إذ يقال أن ”الخطابة هي القوة القادرة على الإقناع“

بطبيعة الحال فإن مسؤولية الخطيب تضعه اليوم أمام تحديات كبرى ومسؤولية مضاعفة، وعلى رأسها أنه يتعامل مع جمهور متعلم ومثقف، غالبيته من الأجيال الصاعدة المتعلمة والمتواصلة مع مجتمعات مفتوحة على العالم، والتي لا تنقصها المعلومة، لكنها تطمح للاستفاضة من منبر الحسين بما يزيدها وعياً ويلامس واقعها وهمومها، ويشبع وجدانها الروحي بطريقة متوازنة، وقد لا يشكل لها الخطيب المصدر الوحيد للمعلومة، لكنه يقيناً يشكل الركيزة الأولى للمنبر الحسيني والعنصر المؤثر في المعادلة، بما يحمله من ثقافة عالية وبصيرة ووعي بدوره الحيوي والمفصلي في اختياره وتحديده لموضوعاته وأطروحاته بما يتناسب مع مستوى وطبيعة المخاطب وطريقة مخاطبته.

إن منبراً يحمل عنوان ”المنبر الحسيني“ يجب ألا يتحول إلى منبرٍ تقليدي يعيد انتاج نفسه، بل إلى منبرٍ فاعلٍ ومتفاعل، ونحن لدينا عدد لابأس به من الخطباء التنويرين المؤثرين، استطاعوا «بما يملكون من وعي رسالي ومؤهلات علمية في وفكرية وثقافية، وتجديد في الخطاب وفي أُسلوب الطرح» أن ينجحوا إلى حد كبير ”في هذا الموسم كما في غيره“ في تقديم خطابٍ فكري ونهضوي رائد يتماهى مع قضايا المجتمع والأمة مستلهماً من قيم ومبادئ الثورة الحسينية الخالدة بعيداً عن التسطيح والتكرار.

لقد ساهم الخطاب المنبري العاشورائي رسالة للارتقاء بمستوى الوعي لدى جمهور المستمعين عندما ابتعد عن الاستغراق في السرد التاريخي، والروايات الدخيلة والمدسوسات المسيئة لخط أهل البيت ، والبعيدة عن العقل والمنطق، والمناقضة لروح الدين والعصر وتجليات العلم.

بالنسبة لمسؤولية المخاطب ”جمهور الحضور“: فكما أن للخطيب الرسالي سمات ومؤهلات تمكنه من تقديم خطاب عاشورائي جاذب وفاعل، هناك أيضاً المستمع الواعي والمثقف النقدي الذي يستمع بعقل مفتوح ”يفكر، يعقل، يتأمل، يتدبر... الخ“ بأُذن واعية تمكنه من تقييم كل ما يُلقى عليه من مرويات وسرديات فلا يقبل منها إلا ما ينسجم مع منطق العقل والوجدان السليم المودع في فطرة الإنسان، إنها مسؤولية المخاطب الواعي تجاه رسالة المنبر الحسيني، ويجب أن نشيد ببعض الخطباء الذين يرفضون للمخاطب أن يُلغي عقله أو يُعطله بدعوى القداسة، بل يعززون الحس النقدي لدى الجمهور تجاه ما يتم طرحه على المنابر انطلاقا من البحث عن الدليل من القرآن الكريم ومن نهج وسنة المعصومين في الدعوة لإعمال العقل، كما جاء في نهج البلاغة عن الإمام علي ”ويُثيروا لهم دفائن العقول“

إن استثارة عقل المخاطب إضافة لوعيه وثقافته، لها انعكاساتها الإيجابية المؤثرة على جدلية منظومة المنبر الحسيني «الخطيب / المخاطب / الإدارة» وإيجاد حالة تفاعلية بين الخطيب والجمهور، تتعزز من خلال طرح الأسئلة، في جو من الحوار الهادئ والنقد البناء الذي يتيح للجمهور المشاركة الجادة والتعبير عن آرائهم دون حرج حول ما يُطرح على المنبر الحسيني من موضوعات، على أن يتسم الحوار بالبعد عن اساليب التعالي والاختزال والتطويع والتشتيت، وفي كل الأحوال على جمهور الحضور أن يكون فاعلاً ومشاركاً مبادراً وإيجابياً وليس متلقياً سلبياً.

فيما يخص الإدارة: تشكل إدارة المآتم الحسينية عنصراً فاعلاً ومقياساً مهماً في نجاح رسالة المنبر الحسيني العاشورائي، لا على المستوى التنظيمي فحسب، وإنما على مستوى رفد المنبر الحسيني بالشخصيات وتنوع موضوعات الخطاب المنبري، باعتبارها الجهة الأكثر تعايشاً مع جمهور الحضور، والأقرب منه تواصلاً مع الخطيب.

ومن مظاهر الوعي لإدارة المآتم الاهتمام بتطوير اداء المنبر الحسيني العاشورائي، والحرص على جعله منبراً رسالياً فاعلاً ومؤثراً، من خلال الحوار المفتوح بين الخطيب والجمهور، وأخرى من خلال المزاوجة بين شخصيات وموضوعات المنبر الحسيني، تعميقاً لوعي المجتمع والتركيز على تناول ومعالجة بعض قضاياه بالاستعانة بذوي الاختصاص، مما يشكل نقلة نوعية في تطوير أداء المنبر الحسيني العاشورائي، كما تحرص بعض المآتم على تقييم معايير الأداء والموضوعات للمنبر الحسيني من خلال استطلاع رأي الجمهور باعتماد الاستبيان المتعدد، لما لذلك من آثار إيجابية فاعلة على النهوض برسالة المنبر الحسيني، وتندرج كل هذه الجهود والاسهامات في خط الوعي برسالة المنبر الحسيني العاشورائي، وبأهميتها ودورها المعزز للهوية الحسينية الأصيلة.

ختاماً يمكننا القول بأن إبراز رسالة المنبر الحسيني العاشورائي بالشكل الحضاري المنفتح على عقول الناس وهمومهم وقضاياهم، يتطلب مسؤولية مضاعفة ومزيداً من الوعي التشاركي الخلاق، فالجميع معني بتطوير رسالة المنبر الحسيني العاشورائي، وإنجاحها في إظهار ونشر قيم النهضة الحسينية المباركة.