الشللية.. القاتلة بالعمل المؤسسي والاجتماعي
تعتبر من الظواهر البارزة في المجتمعات العملية بشتى أنواعها، المأجور والمستقل والتطوعي، يرى البعض إنها وجدت لتحبيط المبدعين المستقلين والغير منضوين تحت مظلة شكل معين ممن يتمحورون حول المصالح الضيقة ودائرة النفعيات الشخصية، ويرى آخرون أنها يمكن أن تشكل جمعية يتم الالتقاء فيها بما يخص فئات عملية إبداعية في عمل أو فن معين يمكن لها تُغني وتطور العمل والمشهد الثقافي بحراكها الفني العملي الإبداعي المؤثر.
ففي قواميس اللغة بمعجم المعاني نجد أن كلمة ”شِلَليّة“ اسم مؤنث منسوب إلى ”شِلَل“ بمعنى محسوبية، ازدواجية، مزاجية، جماعية.
هي ظاهرة خفية قد لا تجد من يتحدث عنها علناً، تدار بالرموز المشفرة بين ”الشلة“، فهي تعمل تحت الظل وفكر خفي منظم يعمل لمصلحته الشخصية ويصل لأهدافه بطرق غير شرعية وبأقصرها وقد تكون قذرة، ناهيك عن الأفكار والأجندات والتوجهات التي تُسيرها المغايرة للواقع والتي تفرضها على متخذ القرار، فقد وصفها الدكتور القصيبي بقوله ”لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحول الزملاء إلى أصحاب عمل“، وهو وصف دقيق جداً لهذه الفئة، فمجتمعاتنا بشكل عام تتغذى على التفاعلات الاجتماعية وتثمن صِلاة القرابة وتهوى الصحبة ومبدأ المصالح المشتركة والمتبادلة، وهو انعكاس لبيئة العمل في بيئة المجتمعات والمؤسسات العملية المختلفة.
إن انتشار هذا المرض الإداري المستحكم يؤدى إلى دخول المجاملات والمحسوبيات ميدان العمل على حساب الكفاءة والإنجاز، وهذه الشلة لن تسمح لمن هم خارجها بالدخول أو الاقتراب من حرمها أو من شخص المسؤول، وستُعلن الحرب على كل أصحاب الفكر والرؤية والمبدعين من خارجها بكل السبل، وسيمنعون وصول أفكارهم وآرائهم إلى المسؤول فهم يعتبرون ذلك تهديداً لمصالحهم وكثيراً ما ينسبون هذه الآراء لأنفسهم.
وفي كثير من الأحيان تحاول هذه الشلة ضم الموظفين النابغين إليها بإغرائهم بالحماية وتحقيق منافع ذاتية سيحصلون عليها نتيجة انخراطهم معهم في الشللية، فينصرفوا بذلك عن التفكير والإبداع وتوليد الأفكار الخلاقة التطلعية بالعمل، وتموت بذلك الكفاءة الإدارية ويفشل المسؤول في تحقيق الأهداف التي تم اختياره من أجل تحقيقها، إلا أن أصحاب الأفكار السليمة البنًاءة يفرون من البيئة المنفرة والطاردة إلى البيئة الجاذبة وهي حالة طبيعة لما تتسم به هذه البيئة من مرونة والتي من شأنها زيادة الإنتاج بالعمل، ناهيك عن حرية اتخاذ القرارات والتي تشعر الأشخاص وتجعلهم حريصين على اتخاذ قرارات سليمة بتحمل هذه المسؤولية.
فوجود الشللية في مجتمعات العمل تؤثر بشكل فاعل في عدم تغليب المصلحة العامة لتضادها مع مصالح الشلة وسياستها بالعمل المؤسسي، فهي لا تقبل تطبيق نظم العمل المتبعة واللوائح عليها، وجميع أعمالها تُعد إنجازاً مهما كانت لا تذكر، كما أن أخطائها مغفورة ولا محاسبة عليها، وقد تكون نافعة وداعمة للعمل بدعم الأفكار والإنتاج البناء ببيئة العمل مما يساهم في تطوره، إلا أن في أحياناً كثيرة تؤدي هذه الشللية لخلل بالغ في العلاقات والترابط داخل مؤسسات العمل بأنواعها.
إن مثل هذه البيئة العملية لن تكون مشجعة على الانتماء والمشاركة والإبداع والتطور فقد يتحول المخلص إلى منسحب والمبدع إلى محبط والمبادر إلى السلبية والمتحمس إلى اللامبالاة، فالنتيجة الحتمية والمنطقية للعمل الشللي هو طمس وقتل الكفاءات وتهميشها مما يؤدي إلى كثير من المشاكل الإدارية والاجتماعية، فوجود استراتيجيات وأنظمة وحلول موجهة للتعامل مع الشللية يقلص من سيطرتها ويحجم توجهاتها.