آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

بين القراءة الفاعلة والمنفعلة

يوسف أحمد الحسن *

بين القراءة المنفعلة والفاعلة مسافة هي ذاتها المسافة بين الحالة الاستهلاكية والإنتاجية في حياتنا العامة، كما أنها هي ذاتها المسافة بين التماهي مع الواقع وخلق واقع جديد ومشرق، وهي ثالثا المسافة بين اليقين الدائم والتشكيك الخلاق. أن تصدق كل ما تقرأه يعني مراوحة مكانك، وأن تشكك وتتفكر وتبني فوق ما هو قائم وتنطلق إلى آفاق جديدة هو سر تقدم البشرية. فلو صدق أجدادنا بوسائل النقل ما قبل اختراع العجلة لبقينا على حالنا المتخلف والبطيء وربما بقي الإنسان يحمل كل شيء على ظهره وعلى الدواب. ولو أيقن حفيدهم أديسون بأن الظلام في الليل حتمي لما أضاء لنا ذلك الطالب الفاشل في دراسته حلكة الليل في أنحاء العالم بعد آلاف المحاولات التي قام بها مشككا في كل واحدة منها. ولولا تشكيك نيوتن وآينشتاين وغيرهما من علماء الطبيعة في من سبقهم لبقيت الذرة حبيسة ما حولها ولما أمكن حصول هذه التطورات في عالم الذرة.

فمع ضرورة الإيمان بثوابتنا الدينية والحياتية فإن القراءة يجب أن تستفز في دواخلنا كل معاني الفعل الحضاري وكل جوانب التغييرات الإيجابية إن في واقعنا القريب أو البعيد، وأن تستحث في دواخلنا وفي من حولنا كل معاني التطوير والإبداع الخلاق الذي يحطم أغلال التخلف والانهزامية ويفتح آفاق التطور في أذهاننا. وهنا الفرق بين القراءة التي تحيطنا بأسوار عالية من الأفكار التي تحجب الأضواء وبين تلك التي تفتح لنا آفاق النهضة الحضارية التي تبني وتشيد وتعلي من شأن العقل والفكر وتحفز حالة التمرد على القائم السلبي والراكد.

لذلك فإنه ينبغي ألا يتم التعامل مع مضامين القراءة كمسلمات لأن هذا لن يشكل إضافة للفكر البشري، بل إنه لن يزيد عن كونه تأكيدا لفكرة «محلك سر» أو كما قال أحد الكتاب « إن كنت ستصدق كل ما تقرأ، فلا تقرأ» لأن «القراءة تمد العقل فقط بلوازم المعرفة، أما التفكير فيجعلنا نملك ما نقرأ» كما قال الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. وما أروع تشبيه المفكر الإيرلندي إدموند بورك حين قال إن «القراءة من دون تأمل مثل الأكل من دون هضم».

إذن يجدر بنا أن نقرأ كثيرا ونتوقف ونتأمل في ما نقرأ، ثم نحاول نقده وغربلته للوصول ربما إلى أفكار وتصورات جديدة ومتطورة حيث نبني على ما هو قائم.. لنحاول وضع علامات الاستفهام على ما نقرأه بما في ذلك ما ورد في هذا المقال.