دراسة في حياته ودوره العلمي والاجتماعي
الشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور البحراني الأحسائي
دراسة في حياته ودوره العلمي والاجتماعي
«توفي بعد سنة 1184 هـ»
مدخل:
نستعرض خلال هذه الدراسة شخصية من أعلام القرن الثاني عشر الهجري تمثل الحراك العلمي بين الأحساء وبلاد البحرين والتبادل العلمي بينهما، وهي رغم الأثر الكبير الذي خلفته، فإن حياته لا زالت غامضة وتناولتها المصادر باقتضاب واختصار شديد، وذلك لشح المصادر، لذا حاولنا أن نسلط الضوء عليها بحسب المصادر المتاحة وقد قسمت البحث على نحوين:
الأول: حياته وسيرته.
الثاني: ملامح من العطاء العلمي.
وقد اشتمل كل عنوان على مجموعة من النقاط التي تكشف اللثام عن بعض الملامح من حياة هذه الشخصية لتكون رمزاً وقدوة ومثال ناصع لحياة العلماء الخالدين.
حياته وسيرته
1 - أسمه ونسبه:
الشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور البحراني الجبيلي الأحسائي، ولد في العقد الأول من القرن الثاني عشر الهجري، في موطنه البحرين، وفيها نشأ وترعرع، فأخذ على أعلامها الدروس الدينية، ثم هاجر إلى العراق، ولعله درس في كربلاء وأجيز من بعض الأعلام فيها.
انتقل بأسرته إلى الأحساء وسكن قرية الجبيل، ثم انتقل إلى مدينة الهفوف، ومن خلال الوثائق الشرعية أنه ممن تولى شئون القضاء في الأحساء في عصره، صادق بختمه على العديد من الوثائق في العديد من المناطق، وختمه بيضاوي نقشه: «أفوض أمري إلى الله».
2 - هجرته إلى الأحساء:
الرابطة الاجتماعية بين البحرين والأحساء والهجرات المتبادلة، وطيدة وقوية، وأوسع من تحديدها بعامل محدد، كالروابط الأسرية، أو حكم الجيرة، أو تشابه العادات والتقاليد، أو الظروف السياسية، أو البعد الاقتصادي، أو التشابه المذهبي، أو الحراك العلمي، وهي عوامل كل واحد منها ساهم بطريقة أو أخرى ساهم في حدوث الهجرة وتقوية الأواصر بين البلدين، حتى تجد الكثير من الأسر الأحسائية لهم أصول بحرانية أو العكس، وقد أشرنا في بحث مفصل لهذه النقطة بعنوان «العوائل والأسر الأحسائية المهاجرة إلى البحرين».
والأمر المتعلق بالشيخ ابن عاشور العالم البارز، فإن المحتمل إن السبب الأقوى هجرته هي الحقبة الزمنية التي عاشها والظروف السياسية التي كانت تمرّ بها البحرين خلال العقود الأولى من القرن الثاني عشر.
فالمصادر تشير إلى أنه سنة 1129 هـ ، والسنة التي تلتها تعرضت لهجمات من اليعاربة حكام عُمان، قتل على أثر هذه القلاقل والحروب الكثير من العلماء، وعاش السكان في البحرين حياة رعب وخوف، ساهم في هجرة عشرات الأسر إلى القطيف المنطقة المجاورة للبحرين وكان بينهم عشرات العلماء والفضلاء والفقهاء، مما انعكس على ازدهار الحركة العلمية في القطيف نتيجة لهذه الهجرات العلمية.
والقسم الآخر اختار الأحساء لتكون موطناً له سواء من الأسر أو البيوتات العلمية فكان منهم عائلة «الجزيري» والتي سكنة بلدة العمران، ومنهم أسرة «الحرز»، وسكنت مدينة الهفوف، وأصولهم من جزيرة «النبيه صالح» بالبحرين والتي شهدت مجزرة رهيبة للعلماء فيها، ضمن نفس الأحداث.
واستمر أثر هذه المعارك والمناوشات لعدة عقود جعل الهجرات تستمر من البحرين إلى المناطق القريبة على قسم على آمل الرجوع وقسم على نحو الاستقرار التام، والشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور البحراني، نحتمل إن هجرته إلى الأحساء، بحسب الوثائق الأحسائية التي صادق عليها كانت في النصف الأول من عام 1148 هـ ، فأقدم وثيقة رقمها باسمه تم العثور عليها، تعود لتاريخ 24 رجب سنة 1148 هـ [1] .
إلا أن بقاءه في الأحساء استمر إلى سنة 1149 هـ ، بحسب الوثائق، ثم نحتمل إنه رجع إلى البحرين موطنه الأم، ليعود بعدها سنة 1158 هـ ، حيث صادق على وثيقة بتاريخ 8 جمادى الأول سنة 1158 هـ ، وأصبح يتردد بين الأحساء والبحرين، لذا قال المطلبي عند زيارته للأحساء[2] : «ومنهم: الشيخ الجليل العالم الفاضل الشيخ علي بن حسين بن عاشور،..، قد اجتمعت به في هجر بعد رجوعي من مكة المشرفة قد منَّ الله تعالى به على أهل بلاد هجر، حيث إنه قد ورد عليهم وسكن لديهم سنة ورودي عليه سنة 1160 هـ »، وهذا التاريخ غير دقيق من خلال الوثائق، وإنما الحقيقة إن الشيخ كان في زيارة لموطنه البحرين، وربما استمر بقائه فيها لعام كامل، ثم رجع إلى الأحساء في هذه السنة.
3 - منطقة سكناه:
عندما أقبل الشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور إلى الأحساء، توطن أول وصوله قرية الجبيل إحدى القرى الشهيرة في شرقي الأحساء المعروفة بتاريخها العلمي والديني، وفيها التقى به الشيخ شرف الدين محمد مكي المطلبي العاملي «1186 هـ »، الذي زار الأحساء سنة 1160 هـ . ويؤكد هذا الأمر وجود الكثير من الوثائق التي صادق عليها سواء في بلدة الجبيل أو القرى المحيطة بها والقريبة كالمزاوي والقارة، وقد استمر وجوده فيها لقربة العقد من الزمن.
بعدها انتقل إلى مدينة الهفوف حدود سنة 1160 هـ ، أو بعده بقليل، وسكن في المنطقة المعروفة بالرفعة الجنوبية والذي يعد من أهم المراكز العلمية في مدينة الهفوف وفيه نشأت أبرز مدارسة العلمية في مطلع القرن الثاني عشر، «آل بوخميس»، ويتألف من مجموعة من الأحياء والفرجان هي: الفوارس، السدرة، الفداغم، الجفرة، الحويش، وستمر وجوده فيه إلى آخر حياته حيث آخر تاريخ ورد اسمه في الوثائق سنة 1185 هـ .
4 - مقامه وفضله:
من خلال رحلة الشيخ المطلبي العاملي، نجد بعض الإشارات العلمية لمقام الشيخ ومكانته العلمية منها:
1 - إن الشيخ ابن عاشور من الفقهاء الأجلاء العارفين حيث وصفه: «الشيخ الجليل العالم الفاضل الشيخ علي بن حسين بن عاشور، فهو فقيه، عارف».
وهذا إشارة إلى مقامه العلمي العالي وأن الشيخ البحراني قدم الأحساء بعد أن حصد العديد من الإجازات وأخذ على يد كبار الفقهاء والعلماء حتى بلغ درجة الفقاهة.
2 - وجود مجموعة من الرسائل العلمية والقصائد الشعرية الكثيرة، حيث قال: > شاعر بليغ أديب، له أشعار وقصائد عديدة، وفوائد ورسائل مفيدة<، وفي هذا الكلام الكثير من الفوائد، أنه شاعر وقد فقد جميع شعره وربما تضمن «كشكوله» بعضه، والذي سنتحدث عن هذا المصنف بشيء من التوضيح.
5 - أساتذته وشيوخه:
درس الشيخ علي بن عبد الحسين على عدد من العلماء والفقهاء في كربلاء المقدسة وبلاد البحرين، أشار لهم في إجازته للشيخ المطلبي العاملي، وهم:
1 - السيد نصر الله بن حسين الموسوي الحائري «ت 1168 هـ »، فقال في إجازته ضمن الحديث عن شيوخه ومجيزوه: «منهم السيد نصر الله المدرس في الحضرة الحائرية الحسيني».
2 - الشيخ ياسين بن صلاح الدين بن علي البلادي البحراني نزيل شيراز «كان حياً سنة 1147 هـ »، وقال في حقه: «عن شيخي ومعتمدي الشيخ الجليل النبيل الفاضل المحقق الوحيد الفريد وزبدة المحققين وتذكرة المتقدمين، وخلاصة المتأخرين الشيخ ياسين بن صلاح الدين».
3 - الشيخ الحسن بن صلاح البحريني [3] .
6 - مؤلفاته:
1 - الحاشية على كتاب «غرر الفوائد ودرر القلائد»، للسيد المرتضى، علي بن طاهر بن الحسين الموسوي «355 - 436 هـ».
2 - الكشكول:
تضمن الكشكول الكثير من الأحداث التاريخية المرتبطة بحياة ومقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، كما شمل الكثير من القصائد المختلفة ولعل بعضها من نظمه، وهي قصائد طويلة جزلة.
الناسخ: غير مذكور، ويحتمل أنها بخط المؤلف نفسه.
وهي ناقصة الأول والآخر، في بعض صفحات المخطوط تلف، وخرم.
كتبت بخط النسخ، بالمداد الأسود، والعناوين بالمداد الأحمر، يقع المخطوط في 195 ورقة، في كل صفحة: 32س، بمقاس صفحات: 16 X 27سم.
المصدر: مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف، رقم المخطوط: [4] 2538,3 - ديوان شعر: وقد أشار لوجود هذا الديوان الشيخ العاملي في رسالته، فقال: «شاعر بليغ أديب، له أشعار وقصائد عديدة [5] »، نحتمل إن الكشكول الكبير الذي صنفه ضمنه الكثير من قصائده.
4 - مجموعة رسائل متفرقة: قال المطلبي، حول مصنفاته: «وفوائد ورسائل مفيدة [6] »، والذي نحتمله في المجالات الفقهية والأصولية، إلا أنها ضاعت وفقدت حالها حال معظم مصنفاته.
7 - وفاته:
كان موجوداً على قيد الحياة سنة 1185 هـ ، حسب كتابته لبعض الوثائق، فيكون وفاته بعد هذا التاريخ، بفترة يسيرة.
ملامح من العطاء العلمي
1 - مدرسته العلمية:
تصدى الشيخ بن عاشور للنشاط العلمي في العديد من الأماكن في الأحساء كقرية الجبيل ومدينة الهفوف، والعديد من القرى فبرز كفقيه وعالم كبير يشار إليه بالبنان، وقد ألتف حوله طلاب العلم ورجال الدين من أجل التتلمذ على يديه والاستفادة من علومه، فأسس مدرسة دينية درَّسَ فيها العديد من كتب الفقه والأصول والحديث، ورغم إن المصادر التاريخية، لا تشير إلى أحد من تلاميذه ومن أخذ عليه، علماً إن مدرسة استمرت لعدة عقود وتنقلت بين قرية الجبيل ومدينة الهفوف وخرَّجت عشرات العلماء والفضلاء.
ولولا الشيخ المطلبي الذي سجل في رحلته العلمية إلى الأحساء بعض الشواهد العلمية التي أفادت وأثارت نقاط علمية من حياة أستاذه، جعلت كتابه واحد من أهم المصادر لترجمة الشيخ ابن عاشور البحراني، وإليك النص الذي ذكره عن أستاذه ضمن أحداث سنة 1160 هـ ، وهي حقبة ذروة نشاط الشيخ البحراني [7] : «ومنهم: الشيخ الجليل العالم الفاضل الشيخ علي بن حسين بن عاشور، فهو فقيه، عارف شاعر بليغ أديب، له أشعار وقصائد عديدة، وفوائد ورسائل مفيدة، قد اجتمعت به في هجر بعد رجوعي من مكة المشرفة قد منَّ الله تعالى به على أهل بلاد هجر، حيث إنه قد ورد عليهم وسكن لديهم سنة ورودي عليه سنة 1160 هـ ، وقد قرات عنده في علم الأصول «الزبدة»، وغيرها، وبعض «الفقيه»، ثم لما عنىّ لي الرحيل من عنده أجازني إجازةٌ لطيفةٌ بسندٍ غريبٍ قريبٍ إلى المعصوم».
وفي هذا النص الرائع أشار لعدد من النقاط المهمة:
1 - إن ابن عاشور كان له مدرسة علمية يقيم فيها الدروس العلمية سواء في منزله أو المسجد الذي يؤم فيه الجماعة، ولعل المسجد أقرب، وأن الشيخ البحراني كان يُدرِّس مجموعة من الدُرُوس المختلفة، في قرية الجبيل، ثم انتقلت معه إلى مدينة الهفوف.
2 - ذكر بعض المناهج التي كان يدرّسها الشيخ وهي:
* زبدة الأصول: ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﻬﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ «1030 - 953 هـ ».
* من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن بابويه القمي «حدود 306 هـ - 381 ه».
الأول في علم الأصول والثاني في الحديث، ومما لا شك أن له دروس في الفقه، وربما في الكلام، إضافة إلى كتب متعددة أخرى في الفقه والأصول والحديث تصدى لتدريسها.
تلاميذه:
ذكر الشيخ المطلبي العاملي في سياق رحلته إلى الأحساء أنه التقى بعدد من علماء بلدة الجبيل والقارة القريبة منها، وأشاد بعلمهم وفضلهم، إلا أنه أعطى الشيخ ابن عاشور منزلة خاصة تفوق الجميع، لذا أخذ بعض العلوم على يديه وطلب الاستجازة منه، مما لا يبعد تتلمذهم على يدي الشيخ بن عاشور، أو لا أقلاً بعضهم، وهم [8] :
- السيد أحمد بن محمد الحسيني الجبيلي، قال في حقه: «ومنهم: السيد الجليل السيد أحمد الجبيلي، قد سكن الجبيل، وهذا السيد صالح، ثقة، كريم النفس».
2 - الشيخ علي العيثان القاري، ووصفه: «ومنهم: الشيخ علي بن عيثان، فقيه، عارفٌ قد سَكَن القارة».
3 - الشيخ علي بن حسين الحرز «كان حياً سنة 1165 هـ »، وفيه قال المطلبي: «ومنهم: الشيخ الجليل الشيخ علي بن حرز، وأصله من أوال، فقيه، ثقة».
4 - الشيخ ناصر بن عبد الله بن حسين الجبيلي، قال عنه: «فمنهم الشيخ الفاضل الكامل الشيخ ناصر، قد سَكن في «الجبيل»، عالم فاضل، كاملٌ فقيه حاذق، قد انتفع به أهل الأحساء في المسائل، وله ولد الشيخ محمد فقيه، صالحٌ عارفٌ».
5 - الشيخ محمد بن الشيخ ناصر بن عبد الله بن حسين الجبيلي، وفي شأنه قال «وله ولد الشيخ محمد فقيه، صالحٌ عارفٌ».
6 - السيد محمد..، وصفه بقوله: «ومنهم الشيخ الكامل الأجل الشيخ محمد]... [، فهو عارف، نحويّ».
ولا نستبعد إن التعرف عليهم تم في إطار اللقاء بالشيخ الفقيه ابن عاشور في مجلس درسه وعلمه، فتعرف بهم عن قرب وخبر مقامهم ومنزلتهم العلمية.
2 - المجازون منه:
من غير المستبعد إنه أجاز عدد من أعلام الأحساء وغيرهم، ولكن شح المصادر عنها غيب عنّا هذه المعالم، عرفنا واحدة كتبها الشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور البحراني الأحسائي للشيخ محمد مكي المطلبي العاملي عند زيارته للأحساء وحضوره بعض الدروس على يديه سنة 1160 هـ .
يقول الشيخ المطلبي في رسالته الوجيزة عن رحلته إلى بلاد البحرين [9] : «وقد قرأت عنده في علم الأصول «الزبدة»، وغيرها، وبعض «الفقيه»، ثم لما عنىَّ لي الرحيل من عنده أجازني إجازةٌ لطيفةٌ بسندٍ غريبٍ قريبٍ إلى المعصوم».
نص الإجازة [10] :
«بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وكفى وصلى الله على عباده الذين اصطفى، أما بعد فيقول الفقير إلى رحمة ربه الجاني علي بن الحسين البحراني:
أني لمَّا تشرفت بورود الأخ في الله المحقق شمس سماء الفضايل ومحط رحال العلماء الأفاضل صاحب الأخلاق الملكية والجامع بين المحاسن المكتسبة والذاتية بحر العلم الدافق، وطود الحلم الشاهق، من تحدثت بورعه وفضله وعلمه المخدرات في الخدور، المستخرج من بحار الأنوار ما يقصر عنه درر البحور، عَلَم العلمِ المنصوب وسيد الفضل المصبوب الفاضل العالم العامل الزكي الألمعي صاحب الذهن الوقَّاد، والفكر النقَّاد الشيخ الجلي البهي الرضي الشيخ مكي بن الأصيل، والعالم الجليل الشيخ محمد ضياء الدين «المستشهد في طريق كربلاء»، ابن الشيخ الزاهد العابد العارف شمس الفضائل والفواضل الشيخ شمس الدين بن الكامل المؤتمن الشيخ حسن ابن الصالح الأمين الشيخ زين الدين من سلالة الشريف السعيد أبي عبد الله الشهيد محمد بن جمال الدين مكي بن أحمد بن محمد طه المطلبي الحارثي الهمداني الخزرجي العاملي الحانيني الجزيني لا زال بدر سماء الناد ومقصد کل حاضر وباد، ووفقه الله لمراضيه وجعل مستقبله خيراً من ماضيه، استفدت منه أكثر ممَّا استفاد مني، ما يعجز عن حصره البنان من خيرات الحسان من ساير الفنون سيما في علم الدين، الذي هو ينبوع مسائل الإيمان، فحمدت الله تعالى على هذه النعمة التي لم تخطر بالبال، فأمر عبده أن يكتب له إجازة مختصرة متضمنة مالي من الطرق، فكتبت له ما اقتضاه ضيق المجال وأقول:
إني قد أجزت للمشار إليه - دامت فضائله وفواضله - أن يروي عنِّي كل ما صح عنده روايته من طرق الشيعة وغيرها من المسائل الشرعية، وغيرها خصوصا الكتب الأربعة التي هي «الكافي» و«التهذيب» و«الاستبصار» و«من لا يحضره الفقيه»، وجميع مصنفات جدّه الشريف السعيد العارج في معارج السعادة والجامع بين مرتبتي العلم ودرجة الشهادة، الشهيد شمس الدين محمد بن جمال الدين مكي بن أحمد بن محمد بن حامد بن محمد بن طه، وجميع مصنفات علمائنا - رضوان الله عليهم أجمعين - بل جميع ما ألفه المؤلفون وصنَّفه المصنّفون، مما للرواية فيه مدخل من سائر فرق الإسلام على اختلافها فليرو عنِّي بحق روايتي عن عدّة من مشايخي العظام.
منها بسند قريب إلى المعصوم×.
منهم السيد نصر الله المدرس في الحضرة الحائرية الحسيني، عن الشيخ الجليل الأصيل النجيب الفاضل العلّامة الفهَّامة أبي الحسن النباطي العاملي الأصفهاني المجاور في الحضرة الغروية.
ح - عن السيد المذكور عن الشيخ الزاهد العابد المقدس الشيخ صالح بن سليمان العاملي، عن الشيخ الجليل الفاضل النبيل الشيخ محمد الحرفوشي العاملي، عن أبي المعمر المغربي، عن يعسوب الدين وإمام المتقين ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب - صلوات الله وسلامه عليه -، عن ابن عمه رسول رب العالمين، عن جبرئيل، عن إسرافيل، عن اللوح، عن القلم، عن الله الواحد القهار.
ح - عن شيخي ومعتمدي الشيخ الجليل النبيل الفاضل المحقق الوحيد الفريد وزبدة المحققين وتذكرة المتقدمين، وخلاصة المتأخرين الشيخ ياسين بن صلاح الدين، عن شيخه العالم الرباني الشيخ سليمان البحراني، عن شيخه بالسند المتقدم في إجازته للمذكور - دام فضله - عن عمر سعيد وعيش رغيد، بحق الرب المجيد مشترطاً عليه الاحتياط في النقل والفتوى، والمأمول من المولى النجيب الأصيل سليل العلماء الأعلام والفضلاء الكرام أن لا ينساني من دعائه - بلغه الله من العلم أقصى مرداه - كأعظم أجداده بحق محمد وآله آمين وكتب 1160 هـ ».
صورة إجازة ابن عاشور البحراني
3 - دوره الاجتماعي والقضائي:
لمع الشيخ ابن عاشور العالم والفقيه والأستاذ والمربي في ربوع الأحساء من خلال دوره الكبير الذي امتد من إمامة الجماعة إلى التوجيه والإرشاد الأمر جعله محوراً في معظم القضايا الاجتماعية ثقةً بعلمه ومقامه الديني.
ومن تلك الأدوار التي برز فيها الشيخ علي هو تصديه لشؤون القضاء والحسبة الشرعية، والتي من لوازمها تسجيل العقود والمواثيق من مبايعات وأوقاف، وحصر وراثة، ووصايا وفض نزاعات وبين أيدينا العديد من الوثائق كتبها بخطه وصادق عليها بختمه.
ويمتاز خط الشيخ بالجودة فهو في غاية الجمال والترتيب، وهي في تواريخ متعددة كما يلي [11] :
أول وثيقة أحسائية عليها تصديق ابن عاشور تعود إلى 24 رجب سنة 1148 هـ ، بعدها وثيقة بتاريخ 11ربيع الثاني عام 1149 هـ ، ثم نجد انقطاع الوثائق لعقدٍ من الزمن ليعود ذكره من جديد بتاريخ: 8 جمادى الأول 1158 هـ ، 27 ثم ربيع الأول سنة1160 هـ ، بعدها اختفت الوثائق التي رقمها باسمه ولعل ذلك بسبب ضياع وتلف الكثير من الوثائق لنراه في 7 جمادى الثاني 1169 هـ .
وهكذا استمر وجوده في الأحساء يتردد بين مدينة الهفوف، والقرى الأحسائية المختلفة وفي تواريخ متعددة منها:
- 5 رجب سنة 1170 هـ .
- 8 شعبان سنة 1173 هـ .
- 29 شوال للعام نفسه 1173 هـ .
- 3 من شهر جمادى الثاني سنة 1175 هـ .
- 29 شعبان من السنة ذاتها 1175 هـ .
- 15 ربيع الثاني عام 1176 هـ .
- 2 جمادى الثاني سنة 1177 هـ .
- 10 من شهر ذي القعدة سنة 1179 هـ .
- 6 ذي الحجة لعام 1179 هـ .
- 8 رمضان المبارك لسنة 1180 هـ ، ثم رجاء اسمه في وثيقة سنة 1182 هـ .
وآخر وثيقة تعود لسنة 1184 هـ ، والتي نحتمل أنها في الفترات الأخيرة لحياته.
وتصديقاته ودوره امتد إلى عدة أماكن منها قرية الجبيل، ومدينة الهفوف، وقرية المزاوي، وقرية التويثير، وقرية غمسي وغيرها مما يدلل على مكانته الكبيرة، ودوره القضائي البارز على مستوى المنطقة، وقد امتد لسنوات طويلة بين عامي 1148 - 1184 هـ ، أي ما يعادل 36 سنة، وهي سنوات طويلة من العمل والنشاط الكبير، نذكر منها على سبيل المثال:
- مبايعة في حي الرقيات لعدد من أفراد أسرة «آل بن فارس»، وهي واقعة في 17 ربيع الأول سنة 1160 هـ .
- ومنها مبايعة بين بعض أفراد عائلة «آل بن فارس» وأهل قرية المزاوي وهم:
شعيب بن نصر الله بن عيد المزاوي، حسين بن علي بن سبات بن جمعه، محمد بن حسين بن مربط المزاويين، والمبايعة لبستان بطرف الحليلة، ومن شهود المبايعة محمد علي بن عيسى بن علي البحراني، وقد كان البيع في 8 رجب سنة 1173 هـ .
- كما ختم على مبايعة لمجموعة من أهل الفداغم وقعة المبايعة في 15 ربيع الأول سنة 1176 هـ .
- مبايعة في الهفوف حي الفداغم بين بعض أبناء «آل بن فارس» وكان تاريخها في 2 جمادى الثانية سنة 1177 هـ .
- حرر قسمة شرعية بين إبراهيم بن نصر الله آل مربط المزاوي بوكالته عن عدد من أفراد أسرة آل مربط من زوجته وأبناء أخيه في 6 من شهر ذي الحجة سنة 1179 هـ ، وختمه: «أفوض أمري إلى الله».
- كما حرر وثيقة مبايعة في قرية المزاوي كان البائع فيها علي بن أحمد بن عبد الله بن علي آل مربط، لأرض زراعية بطرف التيمية، في 8 رمضان سنة 1180 هـ ، وكان من شهود المبايعة محمد بن أحمد بن علي آل زهير، وإبراهيم آل أبي جبارة، حسن بن قضيب، وعبد الله بن علي بن محمد بن علي آل مربط.
- كتب مبايعة على قطعة زراعية بطرف التويثير، في 12 من شهر ذي الحجة سنة 1184 هـ ، وختمه: «أفوض أمري إلى الله»، وكان من شهودها: محمد بن عبد الحسين بن عيسى البغلي، وعلي بن محمد اللويمي، وعلي بن إبراهيم بن حاجي.
خاتمة:
ختاماً إن شخصية الشيخ علي بن عبد الحسين بن عاشور البحراني الأحسائي، من الشخصيات العلمية البارزة التي لمع صيتها خلال القرن الثاني عشر، ويمكن أن نستفيد من هذه السيرة عدة أمور:
1 - إن البحرين شهدت هجرة علمية كبيرة خلال القرن الثاني عشر تركزت وجهتها بين القطيف المنطقة الأقرب، ثم الأحساء، بينما اتجه شريحة ليست بالقليلة إلى بلاد فارس.
2 - إن الشيخ أبن عاشور من الرموز العلمية التي ساهمت في بناء الحركة العلمية في الأحساء.
3 - تعدد أدوار الشيخ ابن عاشور بين العطاء العلمي والدور الاجتماعي الذي جعل منه رمزاً علمياً كبيراً.
4 - إن شخصية الشيخ علي بن عبد الحسين من العلماء التي استقطبت القلوب.
5 - إن الإهمال وعدم العناية بالتراث ضيع علينا الكثير من عطاء هذه الشيخ الجليل، ولم يبقى من تراثه إلى كتاب «الكشكول» المحفوظ في مكتبة الإمام الحكيم، وهي نسخة ناقصة ولكن جديرة بالبحث والتأمل لتخرج بحلة جديدة، خاصة وأنه بلا شك ترك فيه شذرات من عطائه العلمي متفرقة هنا وهناك في ثنايا الكتاب.
ملحق وثائقي
نماذج من صفحات الكشكول للشيخ ابن عاشور