سلطة تعسفية
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، انطلاقاً من حديث الرسول ابدأ حديثي.
مما لا خلاف فيه أنّ كل راعٍ مسؤول عن رعيته كما في حديث النبي؛ ولكن الخلاف في حدود تلك المسؤولية، ف كثير منّا يرى أن تلك المسؤولية مطلقة، كأب يختار لأبنه التخصص الذي يرغب به هو، ويختار له الوظيفة التي يشتغلها، بل حتى يختار له شريكته ليتزوجها!
وعلى سبيل المثال أيضاً.. زوج يحرّك زوجته كدمية لا رأي لها ولا قرار؛ وكل ذلك تحت مسمى «راعٍ»، وكأننا قد غفلنا عن أن الشخص صاحب قرار، إذاً فالراعي مسؤول أن يعلّم وينوّر ومن ثم ينبّه ويحذّر، وهذه حدود مسؤوليته، لكنه لن يتحمل عواقب قرارات رعيته إذا كان قد قام بما هو واجب عليه، ففي الشريعة الإسلامية والنظام السعودي هناك مبدأ «شخصية العقوبة» ويقصد بهذا المبدأ أن لا تصيب العقوبة غير الجاني الذي ثبتت الجريمة في حقه، كما نصت على ذلك المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم أن «العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي..».
وما أقصده في حديثي أن ما يتضح لنا من هذا المبدأ، أن الشخص هو الذي يتحمل عواقب أفعاله خيراً كانت أم شر، لذا طالما انا صاحب الشأن إذاً انا صاحب القرار، فلو كان الراعي صالح والمرعي طالح فهل لنا أن نلقي باللوم والعتاب على الراعي الصالح لو كان قد أدى مسؤوليته من تعليم وتنوير ونصح وإرشاد؟ بالطبع لا، لأن من غير المنطق أن يمثل الشخص شخص آخر، إذ أن كل شخص يمثل نفسه، انا جنان بنت صالح، انا أنتمي لوالدي صالح لكنني لا أُمثل سوى نفسي، بأفعالي وبفكري وقراراتي.
بالإضافة إلى أن الراعي ليس إلا أحد العوامل المؤثرة، يتفاعل مع عوامل أخرى كالأصدقاء والكتب والفلسفة والبرامج.. وغيرهم لينتج لنا شخصية المرعي.
عندما تحدثت في مقالٍ سابق أن هناك فرضيتان ليطوّر الشخص قدراته، ف إما أن يسلك الشخص مسار المنحطين فكرياً، أو ينشأ مسار فكري راقي ويكون نجم لامع بين أقرانه.
فلنفرض أن الشخص سلك المسار الخاطئ، هنا هل لنا أن نقول استناداً على حديثي أنه صاحب الشأن إذاً هو صاحب القرار، وليُترك في هذا المسار؟ بالطبع لا، وليس هذا ما قصدته، إذ أنه في هذه الحالة لربما يكون مغفل، جاهل، وغير مستنير العقل، فيأتي هنا دور الراعي في التنوير والتعليم، ومن ثم التنبيه والنصح.
الوكاد أن اهم دور يقوم به الراعي هو النصح والإرشاد، ويجب على كل ذي شأن أن يتعلم أسلوب النصح، حيث أن في نظري، النصيحة لا تكون نصيحة لو كانت بالترهيب، ففي هذه الحالة الراعي مُطالب بالنصح السليم كما ذكرت لا بالإنتشال، فليس هناك شخص يقبل أن يتخذ قراراته أو يقوم بأفعاله وفقاً لمبادئ أو رأي شخص آخر، وحتى لو كان قد سلك المسار الخاطئ، أرى أن الترهيب لا يجدي نفعاً.
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: «لآ إكراه في الدين قد تبيّن الرشدُ من الغيِّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى..» سورة البقرة «256»، ص42.
لا إكراه في الدين، أي لا يُكره أحد على الدخول في دين الإسلام فإن دلائله وبراهينه واضحة، فلا يحتاج أحد أن يُكره، فمن سلك المسار الصحيح وأسلم فقد فاز بلا شك، ومن اختار غير ذي صواب وانحرف عن دين الله فهو شقي ومهلَك.
إذا كان الدين الإسلامي لا يتبع أسلوب الإكراه، ف كيف لنا أن نتبعه نحن في مختلف مجالات الحياة، تحت مسمى «راعٍ، سلطة، مسؤولية»!
خلاصة حديثي أن كل راعٍ له سلطة، لكنها ليست مطلقة إذ أنها لو كانت مطلقة لأصبحت تعسفية، واستعمال السلطة بشكلٍ تعسفي ليس بأمرٍ محمود عواقبه.
تنبيه: لا أقصد في حديثي بصاحب القرار ما هم دون سن الثامنة عشر، فصاحب القرار هو الشخص البالغ للسن القانوني، العاقل.