آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

أنفك... ثم أنفك... ثم أنفك

الدكتور هاشم الصالح

«رافع خشمه ومتكبر... عايش على الخشبة ومتخدر...»

مع فيروس كورونا تذكرنا انوفنا، فهذا الفيروس يعطل حاسة الشم والتذوق وهذه من النعم التي يقوم بأدائها الأنف. فما أكثر الوظائف التي يقوم بها الأنف ونحن لا ندري عنها...

﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ

أنف الرجل غير أنف المراة، ففي العادة يكون الأنف عند الرجال أكبر منه في النساء وهذا ربما لصالح الجمال عند النساء. فأكثر دولة تعمل فيها عمليات تجميل الأنف هي كوريا الجنوبية، فعقدة بنات كوريا في خشومهم.

ومن الطريف أن أكبر أنف كان حوالي أقل بقليل من 9 سنتيمتر وهو لرجل تركي. ولا أدري هل أنف هذا التركي اكبر، أم انفسيرانو دي برجراك، الفارس الشجاع والشاعر الرقيق صاحب الأنف الطويل، الذي احب ابنة عمه الجميلة روكسانا في رواية ”الشاعر“ التي عربها الأديب المصري المعروف مصطفى لطفي المنفلوطي عن مسرحية فرنسية. وهناك طرفة حول البخيل سمعتها في ركن الكلام في حديقة الهايدبارك، بأن البخيل يكون أنفه كبير لأن الهواء بلاش.

وجمال الأنف من أساسيات الجمال، فكانت العرب تقول «الملاحة في الأنف»... وكانت العرب تتغزل بالأنف وتشبهه بالسيف...

«بِيضُ الوُجُوهِ، كَرِيمةٌ أَحْسابُهُم شُمُّ الأَنُوفِ من الطِّرازِ الأَوَّلِ»

ووضع الأنف على الأرض دليل خضوع وخشوع لله... فهناك من يرى في ملامسة الأنف للأرض على أنه جزء رئيسي في السجود...

«لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض...»...

والتنفس عند الصوفية هو تجلي من تجليات الزمن، فحياة الإنسان معلقة بين الشهيق والزفير...

«ما من نفس تبديه ألا وله قدر فيك يمضيه...»

ولكن الأنف أكثر من أنه عنصر جمالي في الإنسان، فهو من الأعضاء المهمة في جسم الإنسان. فهو عضو رئيسي في جهاز التنفس، فبه يتم الشهيق وبه يتم الزفير. صوت الإنسان وسمعه وتذوقه كلها تتأثر بصحة وسلامة أنفه. والأنف أداة من أدوات السعادة، فمن دونه لا قيمة للرائحة الزكية، فهو لا يشمها ولا يشعر بها وبالتالي يخسر جزء من سعادته لأن الرائحة الطيبة تعود على النفس بالراحة والنشوة.

حتى عندما يمرض الإنسان تتغير رائحة أنفه وعندها يعرف الطبيب أن هناك مشكلة لا بد من علاجها. حتى بعض الأمراض النفسية يمكن معرفتها من الأنف، فالأنف هو جرس إنذار له مصداقيته عند الأطباء.

والأنف هو جزء مهم من الخط الدفاعي لمنع دخول الفيروسات والبكتيريا إلى داخل أجسامنا، ولعل تغطية الأنف بالكمامة في ازمتنا مع كورونا هو وسيلة من الوسائل لحمايتنا من هذا الفيروس، فهذا الفيروس لعله أصغر من أن تراه أنوفنا وأكثر حيلة من أن تصطاده وتمسك به. ولكن هذا لا يقلل من قدرة انوفنا في حمايتنا من الكثير من الأضرار من بكتيريا وجراثيم وغبار وعوالق ضارة في الهواء الذي نستنشقه.

فالأنف فيه شعيرات دقيقة تعمل كمصدات تمنع مثل هذه الأشياء من المرور إلى داخل الجسم، ومن ثم تطردها إلى الخارج مع المخاط ولذلك يعتبر تنظيف الأنف دائما أمر مهم لصحة الإنسان.

ولمخاط الأنف وظائف أخرى فهو مصنوع من ماء وبروتينات وأملاح وأجسام مضادة، نعم المخاط ترطيب للأنف وهو ايضا مضاد حيوي طبيعي. فهناك عالم كندي يقول أنه من المفيد في بعض الأحيان أن يأكل الإنسان وجبة لذيذة من مخاطه لما فيها من مضادات حيوية طبيعية.

هل هذه كل فوائد الأنف، طبعا لا، فواحد من الأخصائين في علم الأدوية الفارماكلوجيا، والذي فاز بجائزة نوبل يقول هناك مصنع في الأنف ينتج NO «اكسيد النتريك» بأستمرار. هذا الغاز الذي تنتجه انوفنا له فوائد عديدة. فنحن عندما نستنشق الهواء من خلال الأنف فإننا ندخل ال NO مباشرة إلى الرئة، فهو يزيد من تدفق الهواء ويزيد تدفق الدم ويعمل على لجم وكبح الكائنات الحية الدقيقة وجزيئات الفيروسات «مثل فيروس كورونا 19» في رئتنا. فهل استنشاق غاز NO من الأدوية المحتملة او على الأقل المساعدة في القضاء على هذا الفيروس اللعين، العلم عند الله يعطيه من اصطفاهم من العلماء.

وهذا الغاز NO، يعمل على ارتفاع في تشبع الدم بالأوكسجين مما يمكن المرء بأن يشعر بأنتعاشً أكثر ويعطيه قوة تحمل أكبر، فالأنف بقدر ما هو صحة، هو أيضا سعادة.

فلذلك يحثنا الأطباء وحتى خبراء اليوغا وفن الاسترخاء على التنفس من الأنف وليس من خلال الفم حتى نحصل على كل هذه الفوائد وفوائد أخرى قد لا نعرفها الآن وسنعرفها مستقبلا.

من كان يدري أن هناك مصنع في انوفنا ينتج مثل هذا الغاز، وفي هذا الغاز دواء ومضادات للاكتئاب. هل هناك مصانع آخرى لا نعلم عنها. بالتأكيد في كل عضو في اجسامنا هناك مصانع ومصانع تشتغل ليل نهار لحمايتنا وإسعادنا ونحن لا ندري عنها.

فهل نجلس كل صباح لنتلمس انفنا فنشكره ونشكر الله على هذه النعمة العظيمة، فلا نظلمه ولا نكفر به.

«وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»