«أهلاََ بكَ مجدداََ»
الأغلب منّا يعلم من هو الراحل ”ستيف جوبز“ مؤسس شركة ”أبل“ العملاقة، إذ يعدّ من أعظم قياديي الإدارة في العالم، الذين أثّرت رؤيتهم، وعملهم على طريقة، ومستوى معيشة البشر. إن شركة ”أبل“ هي أول من قدّمت الهواتف الذكيّة، التي أثّرت تأثيراََ كبيراََ في حياة الأفراد، والمجتمعات.
لا نريد أن نسرد تاريخ الرجل مع شركة ”أبل“، فهو مدوّن في الشبكة العنكبوتيّة، وفي كتب، وأفلام وثائقيّة على ”اليوتيوب“ لمن يحب أن يطّلع عليه، ولكن نود أن نسلّط الضوء على جانب مهم، وهو علاقة ”ستيف جوبز“ بشركة ”أبل“، حيث أن وجوده فيها مرّ عبر حقبتين:
1 - حقبة التأسيس: في هذه الحقبة نجح ستيف، ورفيقه في تأسيس الشركة، وجذب المستثمرين، وإنتاج حواسيب ذات جودة عالية، قد يذكرها البعض مثل ”ماكنتوش“. ولكن المنافسة الشديدة التي واجهتها الشركة من لاعبين آخرين؛ أدت إلى ضعف النتائج الماليّة. وممّا يجدر الإشارة إليه، أن ”ستيف“ لم يُعيّن كرئيس تنفيذي للشركة في هذه الحقبة لصغر سنّه، وقلة خبرته، رغم أنه كان رائد الفكرة، ورغم ملكيّته لجزء كبير من أسهم الشركة، فهو كان مديراً فقط لأحد الدوائر فيها، ومع استمرار النتائج الماليّة الضعيفة للشركة؛ قام مجلس الإدارة بالاستغناء عنه، وإبعاده بالكامل عن الشركة التي أسسها.
2 - حقبة النجاح: عاد ”ستيف جوبز“ كرئيسٍ تنفيذيٍّ للشركة التي أسسها، وتخلت عنه، عندما أقدمت شركة ”أبل“ على شراء شركة ”NeXT“ التي أسسها ستيف مع مجموعة من رفاقه، وكانت متخصصة في تطوير المنصّات الرقميّة المستعملة في التعليم العالي، وأسواق الأعمال التجاريّة. بعد عودته إلى شركة ”أبل“ قام ستيف بعمل جبّار في قيادة، وتطوير شركة ”أبل“، وتقديم منتجات متعددة، من أهمها الهواتف الذكيّة التي نحملها الآن.
الملاحظه المهمّة هنا، التي نلفت النظر إليها، هي أن تاريخ العلاقة التي جمعت الطرفين في الحقبة الأولى كان قاسياً، ََوحافلاََ بالخلافات، وقد تمخّض عنه استبعاد ”ستيف“ من الشركة، رغم أنه أحد المؤسسين، إلا أن كلا الطرفين ضمّدا الجراح، وترفّعا عن الكبرياء، عندما اقتضت مصلحتهما أن يتعاونا في سبيل النجاح. الشركة الآن أكبر شركة متداولة من حيث القيمة السوقية بعد شركة أرامكو السعوديّة.
لو كنت أنا، أو أنت، صاحبا القرار في إرجاع ستيف جوبز للشركة، هل كنّا سنقدم عليه، أم أننا سنذهب لخيار آخر بدعوى الكبرياء، والضغينة؟!
ياله من درس مستفاد كبير، وكم نحن بحاجة إلى أن نملك مواقفاََ، وسلوكيات مماثلة على مستوى الفرد، والمجتمع، والأعمال. تخيّلوا معي كم حجم الخسارة؛ لو لم يتّخذ الطرفان هذا الموقف الإيجابي، وحجم الإنجاز الذي نتج عن فتح الباب للتسامح، والتعاضد الكبيرين. هذا كلّه كان نتيحة اتباع سلوك، أسمّيه ”أهلا بك مجدداََ“. وتخيّلوا معي أيضا حجم الخسائر المعنويّة، والروحيّة، والماديّة التي يمكن لمجتمع أن يخسرها بعدم اتباع هذا السلوك، واختيار الكبرياء، والعناد بدلاََ من التسامح.
إن سلوك ”أهلا بك مجددا“ سلوك ربّانيٌ متجذّر في كيان ديننا الحنيف، حيث يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده»، ويقول سبحانه: «إن الله يغفر الذنوب جميعاََ»، هو سلوك حثّنا الباري عزّ وجل إلى التخلّق به، ووعدنا عليه مثوبةََ كبرى، حيث قال: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، صدق الله العظيم.
إنه سلوك ينسجم مع أصل الخير في الإنسان، وحسن الظن بالآخرين، والتسامح عند المقدرة. إنه نهجٌ يشابه نهج المربّي الناصح مع أبنائه، عندما يخطئون، فيحاول أن يصحّح خطأهم، ويتغافل عمّا بدر منهم، لأنه ينظر بعيداََ، ويرمي إلى خلق جيل صالح، ومنتج، يضيف قيمة للمجتمع.
لو كلٌّ منّا أمعن النظر في نفسه، وفي علاقاته، لأمكنه - ربما - أن يجد فرصاََ كثيرة لاتّباع هذا السلوك الكريم، ولأصبحنا أفراداََ، وأسراََ، ومجتمعاََ أقوى بكثير مما نحن عليه الآن.
فيا أيّها الأخ الكريم، عندما يأتي أخوك معتذراََ، إفتح ذراعيك، وقل له: ”أهلا بك مجدداََ“.
ويا أيها الرئيس، عندما يحاول أحد الموظفين أن يصلح سلوكاََ، أو يأتي معتذراََ عن خطأ، أعطه فرصة أخرى، وقل له ”أهلا بك مجدداََ“. ويا أصحاب الثقافة، والحكمة، عندما تختلفون في الرأي، إحملوا شعار ”أهلاََ بك مجدداََ“.
وأختم هذا المقال، بقول ”أهلا بكم مجدداََ“ وإلى لقاءٍ آخر عبر مقالِِ جديد إن شاء الله.