الحلقة الأضعف
ضمن منهاج عمله المعتاد يقضي الرئيس وقته متتبعاً سير عمل أفراد دائرته، مؤنبًا ذاك على تقصيره، ومشيدًا بروح المبادرة لآخر، ومستفهمًا دواع تأخر عمل ما كان من المفترض إنجازه، ومذكراً بمدى أهمية ابتكار سبق عملي متفرد، يضفي لدائرته وسام الجودة والإتقان فيميزها عن ما سوها من دوائر أخرى.
يحدث أن يشوب سير العمل بعض الإخلال؛ نتيجة ما تسببه بعض الخلافات الهامشية من ترسبات في الصدور بين أفراد فريق العمل الواحد، فتؤول الأمور إلى مسار البحث عن المتسبب في الإخلال، وبغض النظر عن استحقاق هذا الشخص للملامة أو تحميله مسؤولية التقصير عن عدمها، فإن تدرجه أصبح في النطاق الأضعف للدائرة. يتعرض الشخص المستضعف سواء في نطاق محيطه العملي أو حتى الاجتماعي لمواقف يتم تطويقه على إثرها داخل سياج الإدانة، يُزجر، يُسلب حقه في الدفاع عن نفسه أو إبداء رأيه فيما سيتم اتخاذه تجاهه من إجراء أو سلوك، والكثير مما يطال المستضعف من الحكم عليه بالجهل وتخبط التدبير. غالبًا ما يكون الشخص المستضعف قليل الحيلة سيما لو كان عوده طَرِيًّا لم تشده بعد تجارب الحياة، وقد يكون المستضعف ليس بقليل القوة أو متدن للذكاء، بل قد تبلغ قيم العزة والكرامة في نفسه أعلى درجاتها، غير أن احتسابه لمستوى موقعه في الدائرة، وما يملكه من صلاحيات، وإدراكه مدى قوة نفوذ الجانب الآخر في الدائرة ذاتها يحدو به إلى التريث والصبر ترقبًا لميعاد تؤول الأمور فيها لصالحه فيبدي بما تقتضيه المصلحة من علاج وإصلاح.
يلجأ الطرف الأقوى للتنمر كسلوك استبدادي تجاه من يستضعفه، متخذًا المهاجمة الكلامية كخطوة أولية، وكثيرًا ما يتصاعد السلوك نتيجة الشحن الارتدادي الذي تولده المشادات الكلامية، ليتخذ الموقف منحى الإيذاء الجسدي، أضف إلى ما قد يتولّد عن هذا السلوك من أضرار نفسية بعيدة في مداها، مدمرة بأثرها حتى التجذرلأعماق كلا الطرفين: الضحية والمعتدي.
يُفسر السلوك العدائي «الاستضعاف» وفقًا لرأيي دولار وميلر «أبرز علماء نظرية الإحباط»: إن السلوك العدواني يظهر نتيجة للإحباط. «ناجي عبد العظيم سعيد مرشد، 2006، ص 27»، والإحباط عبارة عن استثارة انفعالية غير سارة تمثل وضعا مزعجًا للفرد، كما أن هذه الاستثارة يمكن أن تستدعي من الفرد عدة استجابات، من بينها العدوان، واعتمادًا على نوع الاستجابات التي تعلمها الفرد في تعامله مع مواقف من القسر، والضغط المشابهة للوضع الراهن.
قد يهدف البعض في استضعافه لغريمه بأن يختار له طريقة محددة للحياة يملي عليه قيم ودستورعيش بعيدة الاتصال عن ذاته الحقيقة، فكأنما يقنن له مستوى للعلو، ويصادر حقه في الرأي، والتوسع برسالته ودوره اللذان يحققان له أسطورته الشخصية. إن من حق كل إنسان أن ينعم بالاحترام وبالأمان الفكري والنفسي أينما اتسعت دائرة تواجده ونطاق تعامله، وأن لا يجعل من الفوارق الطبقية أو الدينية أو العلمية براثن لتغذية مواطن الكبر بنفسه على الآخر.