آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

إدارة الأزمة الوبائية.. وثقافة الذات الجماعية

هدى القصاب

تواجه المملكة كما دول العالم تحدياً خطيراً في محاربة ومنع انتشار فيروس كورونا المستجد ”COVID - 19“. هذا التحدي يتنامى مع عنصر المفاجئة وصعوبة التنبؤ بحجم ما ستحدثه هذه الجائحة من أضرار ومخاطر على العالم. غير أن القدرة على إدارة الأزمة بكفاءة عالية هي بلا شك العامل الحاسم في تحجيم الأضرار الناجمة عنها مهما بلغت من خطورة وتعقيد. وعندما نستعرض جهود الدولة المبذولة في التعاطي مع أزمة فايروس كورونا المستجد منذ بداية الأزمة وإلى الآن، نجدها تستجيب لهذا التحدي بكل كفاءة واقتدار.

حققت المملكة تميزاً عالمياً في إدارة الأزمة الوبائية وفق معايير متقدمة عززتها خبراتها التراكمية التي ساهمت بشكل فعال في إدراك الأزمة غير المتوقعة، ومن ثم التعامل مع المعطيات بدقة من حيث اتخاذ الاجراءات الاحترازية باحترافية عالية.

ركزت الدولة على جانب الاحتواء والتواصل الفاعل ”الجانب النفسي“ المتسم بالهدوء المدروس ”التفاؤل الحذر“ للمحافظة على مشاعر المواطنين والمقيمين من القلق وهاجس الخوف والهلع الشديد، الأمر الذي أحدث فارقاً إيجابياً كبيراً في تعزيز الأمن النفسي للفرد في المجتمع، وأعطى مساحة كبيرة من الاطمئنان للمواطنين في ظل تبادل التواصل المستمر باعتماد تحديث المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه العوامل دعمت نجاح إدارة الأزمة بكفاءة عالية بعيداً عن فوضى التخبط والارتجال الذي لحق بالكثير من الدول المتقدمة والتي دفعت شعوبها الثمن باهظاً للأسف الشديد.

ومع تطور مراحل الأزمة الوبائية واتساع رقعة تفشي الفايروس إضافة لصعوبة التنبؤ بمآلاتها تواصل الدولة جهودها بمنحى تصاعدي مستحدثة المزيد من القرارات الهامة والحاسمة مع أدق تفاصيل الحرص والحماية للمواطنين داخل وخارج المملكة وكذلك للمقيمين على أرض هذا الوطن الحبيب. هذه الجهود المتميزة والنوعية في إدارة الأزمة كانت كفيلة بخلق مستوى من الوعي والمسؤولية تجاه التزام الجميع بتعليمات القيادة الرشيدة، لكي يخرج الجميع من هذه الأزمة ليس بأقل الخسائر فحسب وإنما بالمزيد من الخبرات والخطط المستقبلية في مواجهة التحديات.

فالأزمات رغم حدتها وتحدياتها الكبيرة، إلا أنها تشكل فرص حقيقية لبناء نهضة حضارية لدى الكثير من الشعوب. لاسيما مع ظهور ثقافة العمل الجماعي أو ما يسمى ”بثقافة الذات الجماعية“ التي اتسمت بها على سبيل المثال الشخصية اليابانية، حتى أضحت سمة بارزة فيها وتبلورت كأخلاقيات عمل أصبحت ملهمة للكثير من الشعوب الطامحة للرقي والازدهار.

إن هذه الأزمة الوبائية التي يواجهها وطننا الغالي هي أزمة المجتمع بكل مكوناته، والكل معني بالتصدي لها بما يقتضيه دوره وبأي حال من الأحوال. فالأزمات تُدار بالعقول التشاركية الفاعلة والبناءة. هذه العقول بما تملكه من وعي ومرونة في التفكير عملت ولازالت تعمل بمنهجية الفريق الواحد كأنموذج بارز للعمل التنظيمي بين الأجهزة الحكومية ذاتها من جهة، وبينها وبين جهود المؤسسات وأفراد المجتمع من جهة أخرى، بشكل يكشف عن قدرات هائلة تعمل لتدارك واستباق أي ثغرات محتملة وإيجاد الحلول والبدائل الناجعة لها وكذلك لإعادة صياغة الظروف إيجابياً.

في السياق ذاته، عندما يؤمن أي فرد بدوره وواجبه، وبأنه جزء من منظومة المجتمع بما يملكه من طاقات وخبرات وعلم، سوف يهيئ نفسه ليكون عنصراً فاعلاً ومؤثراً يعطي الكثير لمجتمعه ولبلده وخاصة في حال الأزمات.

وبوجه عام يبقى التنظيم الجماعي والتعاون التفاعلي سِمة مشتركة في كل المجتمعات الإنسانية الخلاقة التي تنصهر فيها نزعة الأنا الفردية لتتشكل ثقافة الذات الجماعية التي تقود المجتمعات إلى تجاوز الأزمات الطارئة وتداعياتها بأقل تكلفة، وتمهد الطريق لمستقبل زاهر وآمن.

وهنا يجب أن نُشيد بهذا التآزر والتكاتف اللافت بين المجتمع بجميع مكوناته ومن ضمنهم المقيمين والوافدين واستجابتهم لجهود القيادة وتوجيهاتها والذي يعكس مستوىً رائعاً من الوعي المتقدم للمجتمع. هذه الجهود المشتركة ستبقى نموذجاً مشرفاً لوحدة المجتمع، ويجب استحضارها لمواجهة أي خطر يتهدد هذا الوطن العزيز.

ختاماً نقف لحظة إجلال وإكبار لجميع كوادر وأجهزة الوطن: الصحية والأمنية والإعلامية والتجارية والتعليمية وكل من يقف في خط الدفاع والمواجهة لهذا الوباء الداهم لحماية المجتمع من ارتداداته التدميرية. ولنذكر أنفسنا دائماً كأفراد بمدى ضآلة دورنا الذي لا يعدو غالباً الالتزام بالإجراءات والتعليمات من داخل المنزل، في مقابل أدوار هؤلاء اللذين يبذلون الكثير من التضحيات بالخارج.