«الملقوف»
«اللقافة» كلمة عامية تعني التطفل على الآخرين والتدخل فيما لا يعني، تتصف بهذه الصفة نسبة غير قليلة من أفراد المجتمعات التي ترى لنفسها الحق في الوصاية على الآخرين، ف «الملقوف» في الغالب يمارس التحقيق مع الآخر في أموره الخاصة، ويتدخل بتقديم توصياته تحت مسمى نصيحة مجرب تارة، أو «من يكبرك بيوم أفهم منك بعام» تارة أخرى.
هذه النصائح التي يقدمها وإن كانت في ظاهرها وجهات نظر للآخر الخيار في فعلها أو تركها، إلا أن حقيقتها البحتة هي أوامر ينبغي الامتثال لها والإذعان بصحتها، ففي الموعد المقبل يسأل «الملقوف» الآخرين ما إذا كانوا التزموا بأوامره أم لا، وحينما لا يلتزمون فإنهم يستحقون الكثير من اللوم والعتاب.
ثمة مصاديق أخرى للقافة تعني تطفل الإنسان على علم لا يفقهه، بالإفتاء تارة، أو بترجيح رأي على رأي تارة أخرى، ثقافة الدليل التي تعني عدم الحديث في أمر دون مستند علمي يفتقدها كثيرون، إذن لا غرو حينها أن يتحدث «الملقوف» في الطب والهندسة والإدارة والتاريخ والفنون وكل شيء، وريثما تسول لك نفسك سؤاله عن المصدر فإنه يتحول لشخص شرس لا يتورع عن تسفيه عقلك، لأنك ببساطة لا تذعن لكلامه.
أهمية الحديث في هكذا أمر هو أن «الملقوف» من حيث يعلم أو لا يعلم يمثل عنصر إفساد للمجتمع، فهو من لا يملك من الكياسة ما يجعله يدرك أن حشريته وحديثه فيما لا يعني يسهم في الترويج لأباطيل وترهات على أساس أنها معلومات وحقائق، وكم من كلمة وتوجيه غير صائبين أسهما في تحطيم مستقبل إنسان والنحو به نحو الهاوية، هكذا يأمر الملقوف «طالبًا» بأن يتخصص في علمٍ ما، ويأمر آخر بالاقتراض للدخول في التجارة، وآخر بشراء البيت والسيارة، وحينما تقع الفأس في الرأس ينزوي جانبًا ويتجرع مرارة الألم، هذا الإنسان الذي أحسن الظن في هذا «الملقوف» وعمل بأحاديثه.
«الملقوف» هو عنصر سائد في المجتمعات التي يؤمن الكثير من أفرادها بأنَّ لهم الحق في فرض آرائهم على الآخرين بنحو ما، ومعرفة دقائق حياتهم الشخصية، ف «الملقوف» في حقيقته هو شخص فضولي لا يتورع عن البحث في خبايا الناس ومعرفة أسرارهم، هكذا إن كنت «مطلقًا» فسيسألك «الملقوف» عن السبب، وعما إذا كنت المبادر إليه أو غيرك، وإن كنت موظفًا فسيسألك عن راتبك ووظيفتك وتفاصيلها، وإن كنت مستمتعًا بشرب قهوة فلن يدعك حتى يعرف عدد الأسهم التي اكتتبتها في «أرامكو» ومقدار ربحك والجهات التي ستصرف فيها أموالك، إذن فليس من سبيل لمواجهة «الملقوف» إلا مصارحته بأنَّ حديثه أمر غير مرغوبٍ فيه، أو لا أقل من إبداء الامتعاض من حديثه، علَّ ذلك يكون سببًا في ردعه، وإن كنت أعتقد أنَّ «الملقوف» هو شخص مريض بمرض لم يكتشف الطب ولا المنطق حتى الساعة علاجًا له.