أحباب الله - مستر جوجل
«قصة واقعية، بقراءة نفسية»
ازدحام شديد، وجمعٌ غفيرٌ قدموا من مختلف المدن القريبة والبعيدة ليباركوا «لمحمد» زواجه، وبعضهم تكبد عناء السفر كي يصل لمشاركته هذه الفرحة.
واقفٌ محمد وأمامه طابورٌ طويل جداً من المُهنئين يُسلمون عليه ويباركون له فرداً فرداً.
وفي تلك الأثناء انشقت الصفوف، وتعالت الأصوات، ونهض الجالسون جميعا، وشخصت الأبصار كلها باتجاه رجل واحد دخل إلى قاعة الزواج، تحسبه طاوساً في مشيته أو حاكم دولة، له هيبة كما هيبة ملك، الجميع ينظر له باحترام وإجلال، ويتسابقون للتشرف بالسلام عليه، واستسقاء البركات منه، قدّمه المصطفون في ذلك الطابور الطويل؛ ليتقدمهم ويصل لتهنئة العريس، وفعلاً تجاوز الجميع وكله شموخ وفخر واعتزاز، ووصل إلى محمد.
فوقت ذلك العظيم أثمن من وقتهم، وعطاؤه أكبر من عطائهم، وعلمه محيط بكل شيء، ففي أي مسألة تسله يُجيبك، جرِّب وحاججه في علم الفضاء وسيغلبك، أخبره عن أي مشكلة اجتماعية أو نفسية وحتّى معضلة علمية وسوف يسبقك، رجلٌ يرتدي عباءة خارقة على منكبيه، وخرقة فوق رأسه تحوي علوم الأولين والآخرين «كما يحسبها الناس»، إنه سماحته، رجل دين وليس كأي عالم دين إنه مختلف.
في أثناء مصافحته لمحمد قال له ممازحاً بصوت مرتفع يسمعه من حولهما:
الشيخ: يامحمد لماذا لا نراك تأتي للصلاة معنا في المسجد؟
إلا إذا كُنتَ مسيحياً ونحن لانعلم ذلك؟
احمر وجه محمد خجلاً.
فأكمل الشيخ حديثه «غير مبالٍ»: إذاً تعال وصلِّ معنا يوم الأحد فقط.
فضحك الشيخ وضحك الناس من حوله.
بدت مشاعر الإحراج والغضب الشديد تظهر على وجه محمد.
فرد محمد «وهو غاضب»: ياشيخ أتريد أن تعلم لماذا لا أصلي في المسجد؟
الشيخ: لماذا؟
سوف أخبرك لماذا؟
عندما كنتُ في السادسة من عمري، كنتُ دائم الذهاب إلى المسجد، وفي ذات مرة وأنا بالمسجد كنت أتحرك كثيراً، أذهب هنا وهناك بانتظار أن تبدأ الصلاة، وفجأة وإذا الإمام يناديني، فرحت بذلك وسررت جداً؛ لأن الإمام نظر لي وتحدث معي، ذلك شرفٌ أفخر به أمام أصدقائي، فذهبت مُسرعاً نحوه مبتسماً متشوّقاً لما سوف يقوله لي.
فقال لي «بوجه غاضب عابس»: ”خلّك في البيت عند أُمّك“، أنت مزعجٌ لا تأتي إلى هنا مرةً أخرى.
عندها ياشيخ قُتل شيءٌ في داخلي، أصبت بصدمةٍ قوية جداً، شعرت بأنني لا أستطيع التنفس، خفقان ورجفة بقلبي وكل جسدي، حتى قدماي لا تكاد تحملانني، تمنيته كابوساً، خرجت من المسجد باكياً ولم أعد بعدها لمسجدٍ قط، فصدقاً أنا لا أستطيع ياشيخ.
إذ كنت مراراً وتكراراً أحاول العودة للذهاب للمسجد، ولكن للأسف لا أقدر، عندما أمر فقط بالقرب من المسجد تعود لي تلك المشاعر القاتلة التي شعرت بها في تلك اللحظة، وكأن الحادثة للتوِّ حصلت، لا أجرأ حتى على تذكرها بيني وبين نفسي.
والآن ياشيخ بعد مرور سنوات طوال على هذه الحادثة أتريد أن تعرف اسم ذلك الشيخ وهويته لعلك بمكانتك وقوتك ونفوذك وسلطتك تقتص لي منه؟
الشيخ: نعم أخبرنا من هو ذلك المُجرم؟
محمد: هل تريد أن أُخبر الجميع بهوية من قام بوأد حب ذلك الطفل للمسجد؟
هل تريد أن أخبرهم باسم من طرد طفلاً بريئاً من بيت الله؟
هل تريد أن تعرف من شوه صورة رجل الدّين وصورة الدّين في مخيلة ذلك الطفل؟
هل تريد أن أخبرهم بأنك أنت هو الفاعل ياشيخ؟
عم الهدوء وصمت الجميع وبعدها بلحظات: -
الشيخ: محمد أتعلم أين تكمن المشكلة؟
محمد لم يجب، والجميع صامت يترقب.
الشيخ: أنت دلوووووع «لاتصير زي البنات».
ضحك الشيخ وضحك من حوله.
وبعدها مباشرة انصرف وكأن شيئا لم يكن.
البعد النفسي:
- الأطفال الصغار يُصدقون كلمات الكبار بصورة مطلقة وغير قابلة للتكذيب.
- بعض الكلمات تترك في النفس ندوب وجراحٌ لاتندمل أبداً.
- الكلماتُ التي تُقال لنا لا تموت، بل تبقى حية في ذواتنا بالمشاعر التي تولَّدت بفعلها.
- كلمةٌ واحدةٌ فقط قد تُغيِّر حياة إنسان بالكامل، فإمّا تبثّ فيه حياةً متجددة، وإما تجعله ميّتاً وهو حيّ.
- قد ننسى كل شيء، الكلمات والمواقف والأشخاص إلا المشاعر فليس من السهل أن تموت.
- تقديس الأشخاص يجعلنا عمي بلا بصيرة، فلانرى منهم إلا مايعجبنا ويسرنا.
- كان الطفل يرى في ذلك الشيخ شخصاً عظيماً، شخصاً يحلم بأن يُصبح مثله يوماً ما، وبعد تلك الجريمة التي حدثت تحولت تلك المشاعر إلى كره وغضب وحزن.
- هنالك شخصيات «مُضطربة» غايتها العظمى الحصول على المكانة الاجتماعية المرموقة والتقديس والتقدير بين الآخرين، كرجل الدين هذا «الذي لايمثل إلا نفسه»، يبحث عن مهنة تُشبع له هذه الحاجة.
- يقوم بإلقاء النكات على شخص ما لإضحاك الآخرين عليه، فيجذب انتباههم ويكسب إعجابهم واهتمامهم، فيكون هو محور الاهتمام في الجلسة، ليشعر بالنشوة والمُتعة والقوة، هو مدمن لفعل ذلك.
- من أبرز السمات المشتركة بين الشخصيات المُظلمة: الأنانية المفرطة والتي تتضح في التجاهل التام لحقوق الآخرين.
- الطغاة، النرجسيون، الشخصيات المُظلمة، غالباً هم صنيعة المجتمع، نحن من ننفخهم، أو نتغاضى عن أفعالهم، فيصيروا إلى ماهم عليه.
- بعض الشخصيات متعتها واحتايجها النفسي في أن تكون موضع الاهتمام المفرط من قبل الناس، فتبحث هذه الشخصيات عن المِهن التي تُحقق لها تلك الغاية والمُتعة والحاجة.
- لا أدري محذوفة من قاموسه، إما لأنه: يحسب نفسه محيطٌ بكل شيء، أو لأن: كبرياؤه وغروره يمنعه من الاعتراف بجهله لشيء.
- نقص القدرة والمهارة والخبرة في أمر ما؛ يؤدي إلى قصورٍ في إدراك الشخص لمهارته في ذلك المجال «تأثير دنينغ - كروجر».