أبو طلال كما عرفته «1 - 2»
قد تكون هذه المقالة جاءت متأخرة، ولكن الصدمة أيضا كانت شديدة، وكان التعبير صعبا، والناس يختلفون في قدرتهم على تحمل الصدمات وفي التعبير عنها.
أعرف أيضا أن الكثير من الإخوان والمحبين قد كتبوا وأسهموا بالشيء الكثير، ولكن تبقى في النفس غصة، ولا بد من التعبير عنها بقدر الإمكان.
فأبو طلال لم يكن صديقا حميما فحسب، منذ تعرفت عليه، بل كان إنسانا وطنيا، وكاتبا بارعا، ومؤرخا صادقا، محبا لوطنه وأهله وأصدقائه، ومحترَما، ومحترِما لكل من تعرف عليه فضلا عن أصدقائه ومحبيه، من زملاء العمل إلى زملاء الكلمة إلى رجال الدولة المخلصين، الذين عمل معهم، والذين صادف وجودهم مع تأديته لأعماله الوظيفية، سواء في الإعلام، أو التعليم العالي، أو مجلس الشورى.
تعرفت على الدكتور عبدالرحمن الشبيلي - رحمه الله وأسكنه فسيح جنته -، عندما عملنا سويا في مجلس الشورى، في دورته الأولى. وكونه جاء أصلا من قطاع الإعلام، فقد كان له باع طويل في ذلك المجال في تلك الدورة، ولعله في الدورات الأخرى، التي لم أكن ضمن أعضائها.
لا أتذكر بالضبط، إن كان في تلك الفترة، التي طرح فيها «نظام المطبوعات»، رئيسا للجنة الإعلامية أو نائبا أو عضوا فيها، ولكني أتذكر عندما زرته في مكتبه لمناقشة بعض المواضيع المطروحة، وكنت طبعا أغرد خارج السرب؛ لأني لم أعمل في قطاع الإعلام، وكنت قد بدأت أمارس بعض الكتابات الصحفية، كهاوٍ، ومهتم بشؤون الوطن، وهناك من حفزني على ذلك من العاملين في القطاع مثل الدكتور هاشم عبده، رئيس تحرير جريدة عكاظ آنذاك، وبعض المسؤولين في جريدة اليوم، خصوصا المرحوم بإذن الله الشيخ حمد المبارك.
لم تكن المناقشات مع الدكتور عبدالرحمن تركز على صياغة المواد، بل على المفاهيم، وكيف يمكن أن يخرج النظام الجديد ليلبي المتطلبات الجديدة التي بدأت بوادرها تطل علينا من هنا وهناك، كالمحطات الفضائية، والجرائد المهاجرة، والمحطات الإذاعية الخاصة، إلى ما هنالك من تطورات. وكان الرجل متفهما، وبعمق عن كل تلك المواضيع، وفي نفس الوقت وبتجربته الوظيفية واحتكاكه بالمسؤولين، كان واقعيا في توقعاته، مهتما بالتطوير، ولكن في حدود الممكن، ولعله هو من طرح على المجلس فكرة السماح «للمثقفين» بإدخال ما يبتاعونه في الخارج، دون ضرورة الرجوع إلى الرقيب الإعلامي أو وزارة الإعلام. وهناك الكثير من المواضيع الأخرى التي قد أحفظها الآن ولا أريد أن أثقل القارئ بتفاصيلها، ونحن بصدد الكتابة عن صديقنا الوفي «شيخ الإعلاميين».
نعم هذا اللقب، أعتقد أني أطلقته عليه، ولا أتذكر إن كنت قد كتبت عنه، عندما قرأت كتابه القيم، عن تاريخ الإعلام في المملكة، ولا أذكر الآن عنوانه أو تاريخ صدوره، وبقدر ما أعجبت به ورأيت فيه سجلا ناصعا عن تاريخ الإعلام في المملكة، تمنيت ساعتها أن أكتب مثله عن الصناعة في المملكة؛ لارتباطي بها من الستينيات الميلادية من القرن العشرين عندما التحقت بمركز الأبحاث والتنمية الصناعية «الذي أغلق لسوء الحظ في الثمانينيات!» علما بأن الحديث عن الإعلام أكثر حساسية من الصناعة، في بعض الأحوال على الأقل! نعم، كما أطلقت على الدكتور محسون جلال - يرحمه الله - «شيخ الاقتصاديين» خلال ممارسته العمل الاقتصادي، وجريا على عادتنا القديمة في تسمية «شيخ الصناعة، شيخ التجار، إلخ» رأيت أن من المناسب وبحق أن نطلق على الدكتور الشبيلي - يرحمه الله -، شيخ الإعلاميين.
ظلت علاقتنا طبيعية طيلة وجودي في المجلس «لست سنوات» أزوره، ويزورني أحيانا ونتشاور حول ما يعرض على المجلس من أمور، ليس بالضرورة في مجال الإعلام، ولكن في المجالات الأخرى أيضا، وكان دائما نعم المشير، يقدم ما يعتقده مفيدا في تواضع جم وبأسلوب هادئ جذاب. وهكذا كانت مداخلاته في المجلس «طبعا لم نلتقِ في لجنة واحدة بحكم اختلاف طبيعة العمل والاختصاص والاهتمام» سوى احتمال واحد هو اللجنة الخاصة بالمراجعة الداخلية للمؤسسات الحكومية التي رأسها نائب رئيس المجلس «ولكني لست متأكدا من ذلك».
من ناحية أخرى، وخارج صعيد المجلس، فقد ارتبط الاثنان منا بلقاء اجتماعي ضم مجموعة من المسؤولين في الدولة، على رأس العمل ومتقاعدين، وأعضاء مجلس الشورى وبعض رجال الأعمال. كانت هذه المجموعة أكثر ما تلتقي في شهر رمضان المبارك، وكان نعم العضو المشارك فيما يطرح من أحاديث ومواضيع ومناقشات، وكان كعادته هادئ الطبع في مداخلاته ومناقشاته، بالإضافة إلى حضوره المستمر والمنتظم في لقاءات المجموعة المنتظمة طيلة الشهر المبارك. وخلال هذه اللقاءات الاجتماعية توثقت العلاقة أكثر فأكثر، وكان هناك تقارب فكري تحول إلى صداقة لم تنفصم حتى أيامه الأخيرة - يرحمه الله -، حتى أننا التقينا مرتين على الأقل في باريس حيث كان يقضي إجازته الصيفية، فأخذنا في رحلة «سياحية» حول المدينة، كما تفضل بدعوتي وعائلتي إلى بيته في باريس، الذي قيل: إن حادث الوفاة قد حصل فيه مما آلمنا كثيرا، وإن لم نعرف الكيفية التي حدث فيها الحادث الأليم.
وتشاء الأقدار «أو الصدف كما سماها المرحوم بإذن الله في سيرته الذاتية» وأترك مجلس الشورى للعمل خارج البلاد، ولكن العلاقة التي بدأت خلال الست السنوات داخل وخارج المجلس، استمرت وتطورت أكثر وأكثر، وأنهيت فترة عملي في الخارج، وبقي المرحوم بإذن الله ثلاث دورات «اثنتي عشرة سنة» في مجلس الشورى، وعدت أنا للوطن ولكن الإقامة أصبحت خارج الرياض، واستمرت الاتصالات الشخصية بين حين وآخر، بمناسبة أو أخرى، وكثيرا ما نتناول بالحديث والتشاور بعض ما يدور على الساحة الوطنية، خصوصا ما له صلة مباشرة فيها بالإعلام مثل ترشيح رجل العام في مهرجان الجنادرية الذي يتشرف الشخص بالحصول على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وقد كان للمرحوم بإذن الله دور أساسي في اختيار كثير من الشخصيات الوطنية، والمغمورة في بعض الأحيان، وهذا بالتأكيد يحسب بإكبار لأبي طلال، الذي وصل في النهاية للحصول على ذلك الوسام وبكل جدارة واستحقاق.