إلى أين وصل غرور البعض؟
إن للكاتب دوراً مهماً في الإسهام في القضايا الاجتماعية، فإن أساس مهمته التنوير والتوجيه والتوعية، إذ هو الذي يبعث روح الأمل والتفاؤل في المجتمع، وأما لو كان الكاتب مغروراً فإن سيكون له تأثير سلبي على البيئة الاجتماعية، فالغرور يؤدي بالإنسان إلى الظهور بمظهر التجبر والتكبر على الآخرين، ويجعله يحتضن الأطماع والمصالح الشخصية ويخدع الناس، عن الإمام الكاظم :“الكبر رداء الله والمتكبر ينازع الله رداءه”.
فبعض الكُتَّاب عندما يؤلفون كتاباً أو كتابين أو بمجرد كتابة مقالات معينة، يتصورون أنهم وصلوا إلى القمة، فيسحبهم تفكيرهم إلى الغرور، وأيضاً التعالي على من حولهم، فهذا طبعا يسمى تضخم الأنا الذي ابتلي به بعض أصحاب الغرور العلمي والثقافي، قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [سورة لقمان أية: 18].
إن الغرور لا يجعل الكاتب يتطور ويرتقي بذاته، ولا يمنحه التميز والمكانة العلمية والاجتماعية العالية، بل يؤدي به إلى السقوط من منحدر النجاح إلى منحدر الفشل الذي يسد طريق الوصول إلى تحقيق التطور والارتقاء والتفوق والتميز باستمرار.
فالإبداع لا يأتي بتفاخر والتباهي، بل يأتي عن طريق التواضع الأخلاقي والفكري، فإذا اغتر الكاتب بالفكر والعلم والثقافة التي يملكها فإنه سيجعل قيمته تسقط بلا شك، بل سيجعل القراء وعامة الناس ينفرون منه.
وأن تضخم الغرور لدى الكاتب سوف يجعله يلجأ إلى الخداع والتلاعب بمشاعر الآخرين وتزييف الحقائق في مختلف المحتويات التي يكتبها، وذلك بغرض الوصول إلى تحقيق بعض المصالح الشخصية أو تسليط الأضواء عليه، فطبعاً في حال عدم الالتزام بالأخلاقيات والصفات والأفعال الخيرة سيصبح العمل غير مقبول عند الله عز وجل، بل سيكون مبنياً على العجب بالنفس والنفاق والرياء، عن الإمام علي :“النفاق شين الأخلاق”، وعنه :“ما أقبح بالإنسان ظاهراً موافقاً، وباطناً منافقاً”.
لذلك يجب على الكاتب أن يلتزم بالمصداقية ويتحلى بالوعي والأمانة، وأن ويكون مسؤولا عن أي كلمة يكتبها، قال الإمام علي :“الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ، فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً”، وقال الله عز وجل: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ سورة“ق”آية «18».
خلاصة الكلام: من اللازم على بعض الكُتَّاب أن يحاولوا معالجة الغرور الذي بداخلهم، ويتنازلوا عن الأطماع الشخصية ويلجأوا إلى المحاسبة الدقيقة ويحاولوا إصلاح عيوبهم والتعلم من الأخطاء التي ارتكبوها في الماضي، ويجعلوا نيتهم صادقة ويكونوا متواضعين إلى الله ثم إلى الناس، وذلك كي تكون الرسالة التي يريدون إيصالها إلى بلادهم ومجتمعهم بها منفعة وتنوير إبداعي وعطاء فكري.
فإذا التزم الكاتب بالأخلاقيات والصفات والأفعال الخيرة، سيرفعه الله ويبث في قلبه ونفسه وروحه الراحة والطمأنينة، وسينال من عند الله تعالى المنزلة العالية من العلم والفكر والثقافة، وكسب حب الناس له.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منبعاً للعطاء الفكري والتنوير الإبداعي.