آخر تحديث: 23 / 12 / 2024م - 11:33 م

استيراد المعايير

سراج علي أبو السعود * صحيفة الرأي السعودي

قدمت الفلسفة عدة شروحات لمفهوم المعيار، تتفق في مجملها على أنه «نموذج أو دليل ظاهر يُمكِّن من التعرف على شيء ما وإصدار حكم عليه»، ودوره هو تمييز المستوى وعدم الوقوع في الخطأ، في الغالب يتفاوت تقييم الأمور باختلاف المعايير، ويمكن للمتلاعب بها سوق الناس للرضا، فيما ينبغي أن يوجب سخطهم والعكس، وهذا ما يجعل هذا النمط من التلاعب بالغ الخطورة، ويمكن أن يقود المجتمع لدرجات متقدمة من التخلف.

شخصيًا، أستطيع الادعاء أن صناعة الوعي الاجتماعي، هو مفهوم مرادف لصناعة المعايير السليمة، ما معنى تعليم جيد؟ ما معنى مستشفى جيد؟ ما معنى صناعة وتجارة ورياضة وبلدية وكل شيء جيد؟ كيف لنا أن نعتقد بجودة الأداء من عدمها؟ كيف لنا أن نرضى أو نرفض؟ كيف لنا أن نمدح ونذم؟.

مئات الأسئلة لا يمكن لأحد أن يجيب عنها بإجابة علمية دون أن يعرف المعيار الصحيح للتقييم، وحينما لا يعرف ستبقى آراؤه هي شيء أقرب للوهم منه إلى النتيجة الصحيحة، هذا الحديث يقودنا مرغمين للتساؤل عما إذا كنا محتاجين للمزيد من الذكاء لابتكار معايير معينة للنهوض بمؤسساتنا المختلفة، أو أنَّ تجارب العالم المتقدم وفرت علينا الكثير من الجهد لذلك.

شخصيًا، أميل إلى الأخير وأرى في الاحتذاء بالأمم في معاييرها غير المتعارضة مع ثوابت دينية أو وطنية طريقًا بديهيًا يمنحنا فرصًا مهمة للتقدم، بذلك فإن أي إدارة خدمية ينبغي أن تدرك أن البحث في التجارب العالمية الناجحة لتقديم ذات الخدمة وبنفس المعايير، يمكن أن يجعلها تسير في الاتجاه الصحيح، وفيما عدا ذلك فإنَّ اتجاه البوصلة سيكون مع الأسف اتجاهًا مضللًا ولن يقود إلى الهدف.

كثيرًا ما تكرر التصفيق، وكثيرًا ما تهللت الوجوه، كان ذلك حينما أكد المتحدث أنَّ إدارته الخدمية تحقق الكثير من النجاحات، الجزء المفقود من حديثه من جهة، ومن مداخلات الجمهور من جهة أخرى، هو حديث المعايير، لم يكن لأحد أن يسأله عن معايير الجودة المعروفة لنشاطه ومدى وصوله إليها؟، حينذاك بقي يكرر إنجازاته، وبقي الجمهور يكرر التصفيق، وسيبقى يكرر معه دائمًا كثير من مسؤولي الإدارات الخدمية ما يعتقدونها إنجازات، وستنطلي الخدعة على كل عقل لا يدرك أن لا ثمة طريق لتقييم جودة العمل إلا بمعرفة المعايير الصحيحة، ودون ذلك فإن الثناء الذي يطلقونه على خدماتهم هو نوع من العبث وربما التضليل.