بيئات هولاند المهنية
في تغريدة عبر تويتر وجدت أحد المستثمرين يقول ”لا تهمني فكرة المشروع ولا مصفوفة الأوراق ولا الألوان البراقة في العرض بل حتى الأرقام لا تهمني كثيراً بقدر ما تهمني شخصية رائد الأعمال في طريقة كلامه وطرحه وثقته بنفسه“
قد يبدو الأمر طبيعياً أن يضع المستثمر هذه الشروط كمعايير لانتقاء رائد الأعمال، فالمدير عليه أن يتحلى بصفات قيادية عديدة في شخصيته تمكنه من قيادة المنشأة قيادة صحيحة، فعّالة ومثمرة ولا يكفي أن يتمكن من معرفة أساليب الإدارة والتخطيط والتوظيف والمراقبة والتقييم وما إلى ذلك. لكن ماذا عن المتخصص الذي يتقن كل هذا لكنه يفتقد في شخصه حاجات القيادة وسقط في مأزق كهذا الذي في ”التغريدة“ أجاد فيه الدور على الورق لكنه لم يستطع أن يبيّن قدرته على القيادة بسبب نمط شخصيته وقدراته التي تصب في مجال غير هذا!
هذا مثال واحد أستطيع به أن أدخل إلى الموضوع الذي يثير الجدل ”الميول المهنية“ في مدى تعارضه مع سوق العمل. وقبل أن أدعو الطلاب إلى معرفة السمة الشخصية ثم ما يقابلها في البيئات المهنية، أود التنويه أن الميول لا تتعارض مع المهن في سوق العمل، فقياس الميول في الأخير يحدد طيف عريض من التخصصات الجامعية الذي يحتوي على عدد من التخصصات التي لا تتناسب مع سوق العمل وأخرى تتناسب مع السوق. وبالتأكيد سيقع الاختيار على ما يتلاءم مع سوق العمل ونكون والحالة هذه قد وفقنا بين الميول وسوق العمل.
فلو أجرى أحد على نفسه المقياس وظهر أن لديه شخصية ذات ”ميول فنية“ وكانت له هواية كتابة الشعر، فهذا لا يعني أن المقياس يشير إلى تخصص اللغة العربية أو التربية الفنية، ونحن نعلم أن سوق العمل فيهما قليل ودون الطموح، وأن توجه الدولة الحالي لا يحتملهما.. بل الصحيح أن المقياس يشير إلى نزعة الفرد إلى البيئة المهنية التي تتصف بالأعمال الإبداعية، الأصيلة، وغير المنهجية، التي تحفز القدرة على الإبداع والإبتكار. وليس الشعر وحده أو الأدب يمكن أن يتلاءم مع هذا النمط، بل لدينا تخصص التصميم الصناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد والتصميم الداخلي والإخراج السينمائي.
لقد وضع جون هولاند - مخترع أمريكي - نظريته التي تؤكد على أهمية التوافق بين السمات الشخصية والميول المهنية. ويفترض هولاند أن اختيار الإنسان لمهنة يكون نتاج الوراثة وعدد غير قليل من عوامل البيئة والثقافة والقوى الشخصية بما في ذلك الزملاء والوالدين والطبقة الاجتماعية والثقافية والبيئة الطبيعية.
يفترض هولاند إلى أنه يمكن تصنيف الأشخاص على أساس مقدار تشابه سماتهم الشخصية إلى عدة أنماط كما أنه يمكن تصنيف البيئات التي يعيشون فيها إلى عدة أصناف على أساس تشابه هذه البيئات بعضها مع بعض، وأن المزاوجة بين أنماط الشخصية مع أنماط البيئة التي تشبهها يؤدي إلى الاستقرار المهني والنفسي والتحصيل والانجاز والإبداع. ومن هنا اقترح هولاند ستة سمات شخصية تقابلها ستة بيئات مهنية يتكيف فيها الفرد ويميل إليها.
الشخصية الواقعية تقابلها البيئة الواقعية، والشخصية العقلية تقابلها البيئة العقلية، والشخصية الفنية تقابلها البيئة الفنية، الشخصية الاجتماعية تقابلها البيئة الاجتماعية، الشخصية المغامرة تقابلها البيئة المغامرة، والشخصية التقليدية تقابلها البيئة التقليدية.
حسب هولاند إذا تقابلت الشخصية مع البيئة نفسها زاد استقرار الفرد في المهنة وزادت انتاجيته وإبداعه. ولمعرفة نمط الشخصية والبيئة المهنية التي تقابلها، يتيح المركز الوطني للقياس والتقويم أداة تقوم بهذه المهمة من خلال الرابط.