آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

محمد الطالبي: ريح تغيير تونسية!

بسام المسلمي *

”هل من المعقول أن يكون أغلب العلماء على خطأ وذاك العالِم الذي يخالفهم بل ويناقض رأيهم هو وحده المصيب؟ وهل يُعقل أن يكون رأيه أو دليله غائباً عنهم؟“ لعلك مثلي تواجه مثل هذين السؤالين في كل مرة تطرح رأياً مخالفاً لرأي سائد حول موضوع ما. وبطبيعة الحال فإن ذلك الموضوع تارة يكون اجتماعياً وتارة يكون لغوياً أو تاريخياً أو علمياً أو غير ذلك كله. ولكن، تشتد الوطئة ويتأزم الأمر عندما يتعلق ذلك الرأي بالأمور الدينية. أضف إلى ذلك، بأنك ستتلقى سيلاً من الأسئلة الأخرى سواء العلمي والموضوعي منها وغير العلمي والموضوعي. فستسمع سؤالاً وبشكل متكرر من مثل: ومن أنت حتى تقول كذا؟ أو ومن ذاك حتى يقول ذلك؟ سواء أرفقت دليلك أو دليل صاحب ذلك الرأي أم لم تفعل. وقد حدث هذا، ولا يزال يحدث، مع كل من يأتي برأي مخالف لمجرى تيار رأي المجتمع، وربما حتى إذا خالف مجرى تيار المجتمع ”العلمي“ في كثير من الأحيان. وسيحدث الشيئ نفسه أو شبيهه أيضاً لكل من يحاول أن يحرك الماء الفكري الراكد الذي أمسى آسناً من شدة الركود والسكون. ولعل إطلالة سريعة على ”تاريخ الأفكار“ كفيلة بإثبات ما زعمت.

الحقيقة أنه من السذاجة جداً أن تنتظر من المجتمع أن يرحب برأي غريب أو بفكر جديد. فالمجتمع يخاف دائما من الجديد ويخشى أبداً رياح التغيير. فهو عادة لا يريد أن يستمع إلى القول ليتبع أحسنه، بل يريد ما وجد عليه آباءه وأجداده عليه، لأن ذلك آلف وأسهل بالنسبة له، فالناس أعداء ما جهلوا. ولعل ”الله لا يُغيِّر علينا“ هو الدعاء الأكثر تداولاً في هذا المقام. فالناس لا تريد أن يغير الله حالها إلى حال آخر أفضل وأحسن إن شابه بعض الضنك والتعب ولو في البداية فقط. ولكي لا أتخطى السؤال الذي بدأت به المقال ولا أبعد عنه، أقول: لا أظن العقل والمنطق ينافيان أن يكون الجمع على الطريق الخاطئ وأن يكون الفرد على الطريق الصائب

، خاصة إذا أقررنا بأن الكثرة ليس لها حجة أو قيمة عقلية ومنطقية كاملة في تأييد رأي أمام الدليل القاطع والحجة الثابتة التي لا تستطيع تلك الكثرة وذلك الجمع أن يردها وينقضها حتى لو صدرت من فرد واحد فقط وذلك لقوتها ومتانة بنيانها. ومن هنا جاءت العبارات النظرية من تراثنا الفكري التي نحفظها عن ظهر قلب والتي لا نكترث بها قالباً وتطبيقاً في أغلب الأحيان ك ”لا تنظر إلى مَن قال وانظر إلى ما قال.“ أو ”نحن أبناء الدليل حيثما مال نميل“. فالواقع أننا لا نكل من النظر إلى ”مَن قال“ ولا نمل مِن ”الميل“ إلى حيث تميل أهواؤنا. أيضاً، فإن الأفراد الذين يشربون من بئر بعينها ستمتلئ بطونهم بالماء نفسه الذي شرب منه جميعهم. فإذا كان ذلك الماء مضراً، فسيتضرر الجميع. وعلى العكس تماماً، فالفرد الذي شرب من ماء آخر سيكون هو الوحيد الذي لن يتضرر في حالة كون كل المياه الأخرى، غير التي شرب منه أولئك الأفراد، صالحة وطيبة.

كانت كل هذه المقدمة الطويلة لمناسبة مرور ما يقارب السنتين إلا قليلاً على رحيل المفكر التونسي محمد الطالبي عن عمر ناهز ال95 عاماً، قضاها قارئاً باحثاً وكاتباً مؤلفاً ليترك لنا عدة كتب باللغتين العربية والفرنسية التي أجادها إلى جانب الإنجليزية والإيطالية. ومحمد الطالبي حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا، وحصد عدة جوائز دولية، وانتسب إلى أكثر من مؤسسة أكاديمية علمية، كما وأسس في سنة 2012 الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين. تلك الجمعية التي لا تعترف إلا بالقرآن الكريم، دون أي مصدر إسلامي آخر، دستوراً لها. فهي ترى بأن القرآن فقط هو الكتاب الذي يجمع المسلمين، بخلاف ”الشريعة“ والآراء الفقهية التي تمزق الأمة وتشرذمها على حد زعمها. ومهما يكن من الأمر، فإن محمد الطالبي ظهر لنا بآراء، سوغت للكثير من علماء الدين أن يرميه بالكفر. فهو خرج عن السبيل الذي ارتاده علماء الدين ”التقليديين“ المعاصرين الذين أضحوا علماء ”ترجيج“ و”تقليد“ فقط لآراء من سبقهم من العلماء والفقهاء ليس إلا. وبغض النظر عن اتفاقك مع محمد الطالبي أو اختلافك معه، فإن آراءه جديرة بالنظر والتأمل وتستحق التحليل والنقد وذلك لمخالفتها للمألوف ولما في مناقشتها من إثراء للساحة العلمية الراكدة. فحري بنا ونحن لانزال في ذكرى رحيله أن نقرأ فكره ونحلل كتبه وننقد آراءه بروح علمية موضوعية بحتة، ولعل ذلك يكون بمثابة قراءة سورة الفاتحة وإهداء ثوابها له ولكافة أمة الإسلام!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
باقر الشيخ علي
[ الاحساء ]: 18 / 3 / 2019م - 2:29 م
المقال رائع من حيث المبدأ والكل يدعي ذلك ولكن خلو المقال عن المصداق جعله إنشائي

تقبل مروري بود