آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

أكثر وعياً من المشايخ ورجال الدين!

بسام المسلمي *

عرَّف وليم راي في كتابه ”المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية“ القراءة بأنها، ”دمج وعينا بمجرى النص.“، وهذا يعني بأن القراءة ربما ستختلف باختلاف الوعي لكل فرد، بل ربما باختلاف مراحل العمر بالنسبة للفرد نفسه أيضاً. وهذا ما يتخذه الكثير من المفكرين والمتخصصين الإسلاميين الأكاديميين ذريعة في عدم اتباعهم لبعض علماء الإسلام المتخصصين في الفقه والأحكام الشرعية. فأولئك المفكرون والأكاديميون الإسلاميين، يرون أنهم أكثر وعياً بكثير بحكم دراستهم الأكاديمية في الدول الغربية واحتكاكهم وحواراتهم بأمثالهم من مختلف الدول الأجنبية من أولئك ”المشايخ“ و”رجال الدين“ المطلوب منهم اتباعهم وأخذ دينهم منهم، والذين لم يبرحوا مكانهم ولم يطلعوا على ما لدى الدول الأجنبية من علوم ومعارف ومناهج تفكير وتعليم لا نجدها عندنا أبداً. وكذلك فهم، ”المشايخ“ و”رجال الدين“ لم يدركوا جيداً الطريقة التي يتحدث بها العالم اليوم. وكل هذا، كما يزعم أولئك المفكرون، أثَّر ولايزال يؤثِّر سلباً في ”قراءة“ المشايخ التقليديين للنصوص الشرعية وبالتالي ستكون النتيجة غالباً أن ما يخرج به أولئك المشايخ لن يواكب تطلعات العالم اليوم، فهم كمن يعد رباط الخيل ليحارب عدوه المدجج بالأسلحة الحديثة امتثالاً لقوله تعالى، ”وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل“. فيتساءل أولئك الأكاديميون كيف يُطلب منهم وهم الذين تعلموا وعاشوا في دول الغرب وحاوروا جميع أطياف المجتمع و”وعوا“ و”أدركوا“ و”فهموا“ جيدا لغة العصر أن يتبعوا أولئك ”المشايخ“ و”رجال الدين التقليديين“ القابعين في أمكانهم والمتقوقعين على أنفسهم؟

وربما يكون هذا الوضع هو ما دعا الكثير ممن درس في الدول الأجنبية أن يطالب بإصلاح التعليم والمنهاج والخطاب الديني. فهم، كما يزعمون، يريدون خطاباً دينياً يواكب التغيرات المتسارعة في العالم اليوم، بل ويستشرف المستقبل ليكون سباقاً فيقود عالم الغد أيضاً. وهذا الخطاب الذي ينشده أولئك المفكرون لا ينتج إلا من ”مشايخ“ فهموا وأدركوا ما يدور حولهم في العالم، فلم ينعزلوا ولم ينكفؤوا على أنفسهم، وإنما واجهوا العالم بكل أطيافه المختلفة بما لديهم من معارف إسلامية أصيلة، ولا يتم ذلك إلا بإصلاح الذهنية النمطية لـ ”المشايخ“ عن طريق تغيير أو تعديل وإصلاح مناهج وطرق التعليم الدينية التقليدية كي يزيد وعيهم وإدراكهم لما يدور في العالم الآن. ويدعم أولئك المفكرون آراءهم بما يكتبه ويدعو إليه القليل جداً من أفراد فريق ”المشايخ“ وعلماء الدين أنفسهم من إصلاح وتجديد أو تغيير في أساليب التعليم الديني الإسلامي وإنشاء بنية جديدة واعية للتفكير، ثم أخيراً، تبني خطاباً إسلامياً يتناسب وتطلعات الشباب اليوم. وخطى بعض أولئك المفكرين خطوات أبعد حينما بدأ ينظِّر ويقترح طرقاً جديدة تثمر خطاباً إسلامياً حديثاً من قبيل إرسال بعض أولئك المشايخ إلى دول الغرب لفترة معينة مثلاً بحيث يطلعوا على ما وصل إليه الغرب نظرياً وعملياً من تقدم على كافة الأصعدة، رغم أنهم ليسوا مسلمين، وربما غير متدينين أصلاً. فهذا ربما يكون حافزاً لهم كي يعيدوا النظر في قضية ربط التقدم بالدين أو الإلتزام بطقوس الدين الإسلامي أو حتى بغيره من الأديان، أو ربط قضية التمسك بالأخلاق بالدين بشكل عام أو بالدين الإسلامي بشكل خاص.

وربما هذا ما يريد أن يؤكده أولئك المفكرون. فما سمعوه ولا يزالون يسمعوه من ”المشايخ“ عن الغرب، اتضح لهم عدم صوابه أو عدم دقته. فالغرب أو الدول المتقدمة حتى فيةالشرق شأنها كشأن الدول الأخرى، فيها الإيجابي وفيها السلبي من الأمور، وفيها الناس الطيبون الملتزمون بالمبادئ الإنسانية والقوانين، وفيها الذين يخرقون القوانين ويرتكبون الجرائم. المشكلة هنا هي أن الكثير من المشايخ وحتى غير المشايخ ينظر إلى الغرب بعيون شرقية أو عربية أو إسلامية لا بعيون غربية ويزن أمورهم وسلوكهم بميزاننا نحن العرب والمسلمين. وهذا ليس صحيحاً طبعاً، لأنك لا تستطيع أن تحكم على الغرب من خلال دينك وعاداتك، وإلا كانت نتيجتك غير سليمة إطلاقاً. خذ العلاقات الأسرية مثلاً، حيث أن الحضارة الغربية بشكل عام حضارة فردية «Individualistic culture»، والتي يكون فيها التركيز على الفرد في مقابل حضارتنا «collectivist culture» والتي يكون فيها التركيز على القبيلة أو الجماعة، وكذلك فإن حضارتهم تؤكد على الحرية الفردية التي ليس لها مثيل في حضارتنا. وهذا يقتضي في أغلب الأحيان أن يترك الشاب أو الفتاة بيت أهله عند الثامنة عشرة بعد أن ينهي الثانوية، وبعد أن تتيح له الدولة حرية أوسع مما كان يحظى به سابقاً والتي من خلالها يستطيع أن يقوم بأمور كثيرة أكثر جرأة مما كان يستطيع أن يقوم به في السابق، لأنه يريد أن يحظى بأكبر قدر من استقلالية والاعتماد على النفس أو، كما في بعض الأحيان، لأن كثيراً من الوظائف تتطلب من ذلك الشاب أو تلك الفتاة أن ينقل مكان سكنه إلى مكان بعيد عن أبويه، ولذلك فإنه لا يستطيع زيارة أهله إلا قليلاً. ففي الأعياد مثلاً يخصص الشاب أو الشابة جزءًا من ماله الذي لا يكون زهيداً عادة لرحلة الطيران التي سيذهب فيها لزيارة والديه.

وهذا ما يجري أيضاً لبعض إخواننا من بعض الدول العربية المجاورة ممن جاء إلى دول الخليج سعياً وراء رزقه. فالبعد، كما يرون، لا ينقص المودة والمعزة بشكل مطلق، بل ربما يكون العكس هو الصحيح. ولكن عندما يسلط بعض المشايخ ورجال الدين الضوء على هذا الأمر، تجدهم يزعمون بأن الغرب مفكك أسرياً بشكل سيئ جداً غير قابل للإصلاح، ثم يختتمون كلامهم ب ”الحمد لله على نعمة الإسلام!“ فيضعون الإسلام كله في قبالة الغرب كله حتى أن السامع يظن بأن الغرب عن بكرة أبيه ينادي بالتفكك الأسري!

والأعجب من ذلك أن يأتي بعض المشايخ فيربط القضايا برابط ليس له حظ من المنطق ليدعي، دون أية دراسة علمية، بأن الانتحار وكل مشاكل الغرب من طلاق وانحلال جنسي وغير ذلك هو بسبب التفكك الأسري وربما بسبب أكل لحم الخنزير أيضاً الذي يسلب الغيرة كما يدَّعون. أيضاً، هناك أمر آخر يجعل أولئك المفكرين يشككون في مصداقية أولئك المشايخ الذين لم يزوروا تلك الدول أبداً. فكثير من الذين درسوا في الغرب وجدوا ما يقوله رجال الدين والمشايخ عن الغرب. فبرغم أن الإنسان الغربي يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، مثلاً، إلا أن الغيرة عنده لا تزال متأججة، ولعل الكثير من المشاكل بين الزوجين كما هو واقع وكما تصورها الأفلام السينمائية المبنية على قصص حقيقية تعود إلى أمور من قبيل الغيرة وإقامة علاقات جديدة خارج إطار الأسرة. وهذا ما حدث، فعلاً، لـ ”ميل جبسون“ الممثل والمخرج الشهير الذي اضطر لدفع ما يقارب نصف ثروته، والمقدرة ب 850 مليون دولاراً، لزوجته التي رفعت دعوة تطالب فيها بالانفصال بعد زواج دام 30 سنة وإنجابهما 7 أطفال وذلك بسبب علاقته مع فتاة أخرى. وفيما يخص علاقة الأبناء بآبائهم، فكم ترى وتقرأ عن قضايا من الواقع والتي يختلف فيها الأبوان المطلقان على حضانة أطفالهما، فكلٍّ منهما يريد أن يحظى بها أو يريد أن يبقى أبناؤه معه لمدة أكبر، وهكذا. مثل هذه الأمور وغيرها جعلت من المشايخ ورجال الدين يهرفون بما لا يعرفون في نظر أولئك الأكاديميين ومن ثم سلبت منهم الكثير من مصداقيتهم.

هذا خلاصة ما دار بيني وبين أحد المبتعثين الذين مكثوا في الغرب طويلاً ثم عادوا إلى وطنهم. ماذا ترون أنتم؟

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
باقر الشيخ علي
[ الاحساء ]: 4 / 3 / 2019م - 5:54 م
فيه مغالطات عند هذا الشاب
وشرحها يطول

ولكن كثير من المبتعثين ينتقدون التفكك هناك وهذه قضية اجتماعية



وهل الدين قام فقط على منهاضة تصور خاطئ للعالم الغربي
هذا تسطيح من ذلك المبتعث
2
حسين
[ الاحساء ]: 7 / 3 / 2019م - 10:12 ص
نصفه .. مغالطات
ونصفه .. مضروب علميا

يكفيني لما قرأت ان الدليل على الغيرة هو المحافظة على الزوجة بعد ((الخيانة))
وان الدليل على الحياة الاسرية المتماسكة هم ((الزوجان المطلقان ))

من جهة المغالطة ان المثال يرد عليك في نفس السطر
ومن جهة انه مضروب علميا .. كيف تثبت قضية او تنفيها بمثال ...ومضروب .
انصحك بمثل كلامك ... لاتنتقد من بعيد ... سافر الى الحوزات ومدارس الدين حتى تزيد من وعيك .. ثم احكم هل ان كلامهم من وعي او لا وهل عندهم ادلة علمية على مايدعون
وهل هم يناقشون النظرة الفردية بعد دراسة عميقة ام فقط من مشاهدة الافلام السنمائية ومن قصة ممثل غيور خان زوجته
3
صادق السماعيل
[ الدمام ]: 9 / 3 / 2019م - 1:09 ص
المشايخ احدى الثالوث المقدس والمؤثرين في المجتمعات العربية. من المؤسف ان بعضا منهم لا على دراية كاملة بالمجتمعات الغربية ليس الا الاستماع من أفراد ابتعيثو ثم رجعو ونقلو سمعة سيئة عما شاهدو وستغلو اى المشايخ الأحدث ونقلوها للمجتمع البسيط المتأثر بالنقل العالم الغربي فية ايجابيات كثيرة ليس في المجتمعات العربية أتمنى من المشايخ ان يطلعو بأنفسهم لكي يحكمو على غيرهم وللأسف تنقصهم هذه الخبرة ولذالك يؤمنون بالنقل وليس بالعقل.