آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

تمكين ”ذوي الإعاقة“ والنهوض بالتنمية

عالية آل فريد *

بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لرعاية وتأهيل ذوي الإعاقة ومرحلة التطوير المتنامي التي نشهدها على المستوى الإداري والقانوني والإجتماعي، ومصادقة المملكة على الإتفاقية العالمية لحقوق الأشخاص ”ذوي الإعاقة“ والبرتكول الخاص بها عام 2008 والنظام الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا بتشكيل هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة بتاريخ 27 ابريل 2018,11 شعبان 1439 ودخوله الى حيز النفاذ برئاسة وزير العمل والتنمية الإجتماعية وما تضمن من مواد يدفع بالهيئة للسعي نحو تحقيق اهدافها بالعمل على رفع مستوى خدمات ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة وإحتياجاتهم من حيث التعليم والعلاج والتأهيل وتوفير فرص العمل وتيسير الوصول وتقديم التسهيلات اللازمة للإستفادة من المرافق والخدمات العامة، مقابل ذلك لا يزال واقع ذوي الإعاقة متعثرا بحاجة إلى المزيد من الإهتمام والتنظيم والتركيز على أمور عدة يجب أن تكون في أولوية الإهتمامات أبرزها: 

1 - الإدماج الشامل لذوي الإعاقة في العمل الإنساني وفي خدمة المجتمع للإستفادة من قدراتهم في العمل والإبداع وتحفيزهم للمشاركة في مختلف البرامج والمشاريع والأنشطة الإجتماعية التي يمكن أن يسهموا فيها ويكونوا عناصر فاعلة بما يجعل من هذه الفئات طاقات منتجة تشارك بفعالية في مسارات التنمية وفي بناء الوطن مساواة بغيرهم من الأفراد. 

فنتيجة للتحولات والمتغيرات الحياتية بات المجتمع اليوم أكثر وعيا ونضجا وأصبح يمتلك القابلية في إحتضان ذوي الإعاقة وسبل التعامل معهم، فالكثير من الأسر أزاحت عنها شبح الخوف والخجل وكافة الحواجز النفسية التي تمنعها من الإعتراف بوجود ذوي إعاقة لديها، وبرغم الصعوبات أصبحنا نرى ذوي الإعاقة ف إصطحاب أسرهم وذويهم في المناسبات العائلية والمراكز التجارية والحدائق الترفيهية وغيرها، إضافة إلى تجاوز الحساسية من متاهة المصطلحات والمسميات التي كانت تتداول من الشخص المعوق إلى المعاق او إلى الشخص ذي الإحتياجات الخاصة، أو أصحاب الإرادة إلى التوافق العالمي على مصطلح ”ذوي الإعاقة“ وذلك لتعزيز إحترامه كإنسان أولا ثم النظر لتشخيص حالته والتركيز على قدراته التي يمكن من خلال دعمه ومساعدته أن تتحول هذه الطاقة الى عمل يتجسد على أرض الواقع يفيد به ذوي الإعاقة نفسه ويخدم به مجتمعه. 

2 - لا للتهميش والتمييز، فبجانب الرعاية والدعم والسياسات التعليمية والتأهيلية في المملكة فإن هناك الكثير من القصور تجاه هذه الشريحة في أغلب الأحيان فالكثير من أصحاب الطاقات لذوي الإعاقة يمكنهم العمل والإسهام في المجتمع دون تدخل، لاكنها كفاءات معطلة وذلك لعدم وجود فرص عمل وظيفية مناسبة وإن وجدت فباستحياء وفي مواقع متدنية، ناهيكم عن الطاقات المنتجة فأعمالها ونشاطاتها محصورة بين زوايا اجتماعية ضيقة نتيجة لعدم وجود البيئة المشجعة ولضعف الخدمات التحتية المناسبة في توفير السكن من مدارس ومراكز مهيئة تلبي إحتياجات هذه الفئة فالأكثرية من ذوي الإعاقة يخضع تعليمه وتأهيله لمنط البيوت المستأجرة والغير مؤهلة كليا لا للمواقع السكنية والمباني المخصصة والتي لا تفي بالغرض نحو ما نصبو إليه في الرقي والتقدم بهذه الفئة. فذوي الإعاقة بحاجة للبيئة السكنية والتعليمية والتدريبية والتأهيلية المناسبة. 

3 - التمكين ”إمكانية الوصول“ إلى الخدمات التي تمكن ”ذوي الإعاقة“ من الإعتماد على أنفسهم وإستقلاليتهم في حياتهم العملية، وهيي عنصر حيوي مهم في تحقيق المساواة والمشاركة الكاملة ممايتطلب العمل على إزالة كافة الحواجز التي تمنعهم من إمكانية الوصول والتي قد تؤثر على العديد من مجالات الحياة، فدون الحصول على التعليم الشامل لا يمكن للأشخاص المعوقين الإعتماد على ذواتهم، ودون عمل التسهيلات في المباني داخلها وخارجها وفي المدارس والحدائق والمستشفيات وفي الأرصفة والشوارع، وتوفير وسائل النقل المناسبة لهم سيبقى الأشخاص ”ذوي الإعاقة“ معزولين في منازلهم ولن يتمكنوا من المشاركة في أية أنشطة او وظيفة وقياسا على ذلك بقية المرافق والخدمات المتاحة، ناهيك عن صعوبة تمتعهم بحقوقهم الرياضية والترفيهية إضافة إلى تعسر إيصال المعلومة لهم حيث لاتوجد لافتات أولوائح إرشادية بطريقة برايل ولغة الإشارة في كافة المباني والمرافق العامة بحيث يسهل قراءاتها.

 إن إتاحة الإمكانات والفرص لذوي الإعاقة حتما ستعمل على تطوير قدراتهم وإمكانياتهم للحصول على حقوقهم والنهوض بمسؤولياتهم كذلك مشاركتهم في التخطيط واتخاذ القرار في شؤونهم وإسهاماتهم، وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي يوجد أكثر من مليار شخص في العالم لديهم شكل من الإعاقة. يمثل قرابة 15% من سكان العالم. 

وهناك عدد يتراوح ما بين 110 - 190 مليون شخص لديهم صعوبات كبيرة للغاية في العمل، وبلغت حالات ذوي الإعاقة في المملكة 632078 حالة، بحسب ما جاء في تقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2017، وكانت النسبة الأعلى للسكان السعوديين ذوي الإعاقة في منطقة الرياض بمعدل 24,69%، تلتها منطقة مكة المكرمة بنسبة 23,73%، وجاءت المنطقة الشرقية وعسير بنسبة 11% من السكان السعوديين ذوي الإعاقة.

أي أن أن نسبة الإعاقة المنتشرة بين السكان السعوديين تجاوزت ال 10% بحسب مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، وفي ذلك إشارة إلى أن حقوق ذوي الإعاقة لم تؤخذ بشكل كامل في جميع دول العالم، مادفع لتنفيذ إتفاقية حقوق الأشخاص ”ذوي الإعاقة“ الصادرة سنة 1992 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يحتفل بها هذه الأيام للدفع نحو تعزيز حقوق الأشخاص أصحاب الإعاقات في جميع المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.

وحيث يركز موضوع هذا العام على تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة لتحقيق التنمية الشاملة بوصف ذلك التمكين جزء لا يتجزأ من خطة التنمية المستدامة لرؤية عام 2030 تلك الرؤية التي من أهم أهدافها أن تكون كل فئات المجتمع فاعلة في الحراك والتحول الفكري والعلمي والثقافي وذوي الإعاقة جزء من هذا التغيير، أخيرا يمكن القول بأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بدت تتفعل لاكن بقدر تفعيلها على مستوى القوانين واللوائح والأنظمة بقدر ما نتمنى تفعيلها على أرض الواقع لتحقيق الإستقرار والتنمية.

كاتبة وباحثة سعودية «صفوى».