آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

القائد.. وجاذبية بيئة العمل

عبدالله الحجي *

في بعض منظمات العمل يغادر القائد فيخيم الحزن على التابعين له ويشعرون بالأسى ويتمنون استمراره معهم ويبقى ذكره الطيب في قلوبهم وألسنتهم تلهج له بالدعاء. وفي منظمة أخرى يغادر قائدها فتنهال عبارات الحمد والشكر على فراقه وأحيانا لايسلم من العبارات المسيئة ويكون يوم فراقه يوم عيد. فما الذي خلق هذا التباين الكبير في ردة الفعل بين هذا وذاك؟

عندما يصل الموظفون لدرجة من الكراهية لقائدهم ويتمنون الخلاص منه فذلك مؤشر خطير ينعكس سلبا على منظمة العمل لوجود خلل كبير في العلاقة بين القائد والتابعين له، وذلك لم يأت من فراغ. فمن أسبابه الأسلوب والنهج الذي يتبعه القائد في التعامل مع التابعين حيث يبتعد كل البعد عن المعنى الحقيقي للقيادة في كيفية التعامل والتأثير بمهارة على الموارد البشرية وتحفيزها، والعمل معا لتحقيق الأهداف المشتركة في جو مفعم بالتفاهم والتناغم في بيئة جاذبة. حالة النفور التي تشهدها بعض الجهات والاستقالات والتقاعد المبكر لايبعد أن يكون أحد أسبابها الرئيسة هو المسؤول إذا ما كان متسلطا متبعا للأسلوب التقليدي في القيادة الذي يهتم بالمركزية وإصدار الأوامر والأنظمة والقرارات المتهورة غير المدروسة التي لاتصب في مصلحة العاملين معه بل همه الأكبر ما يصب في مصلحته. فعلى سبيل المثال عندما يبادر بأي تغيير في جهة العمل سواء كان منه أو من السلطة العليا يفشل في تسويقه بالأسلوب الأمثل الذي يضمن تقبله وتفهمه من أكبر شريحة من العاملين. وأحيانا يكون التغيير نابعا من القائد نفسه مراعيا فيه مصلحته وهوس حب الظهور والبروز والسيطرة وعبارات الشكر والتقدير التي تنهال عليه.. ومراعاة مصلحة الموظف ومستوى رضاه وماذا يوجد له من مصلحة في التغييرات والقرارات هو آخر مايفكر فيه.

هذا الأسلوب له آثار سلبية على جهة العمل بسبب الإحباط وخيبة الأمل التي تنتاب العاملين وحالة النفور وعدم الاستقرار وعدم الرغبة والولاء الذي ينعكس على ضعف الأداء والجودة والإخلاص في العمل وقلة الإنتاجية والإبداع والتميز. فالموظف بحاجة لمن يمنحه الثقة والاحترام والتقدير والتحفيز وعدم إشعاره بأن كل تغيير هو ضده ولايصب في مصلحته. كما أن القائد لن يسلم من الأثر السلبي باعتبار أن نجاح أي منظمة هو مشترك لايتحقق إلا بالعمل الجماعي بروح الفريق بين القائد والتابعين له.

ولا يفوتني ذكر موقف أحد القادة عندما تولى إدارة أحد القطاعات فأراد أن يحدث تغييرا وينال التقدير ويكون له مكانة مرموقة فكانت له مبادرة لتخفيض عدد الموظفين بنسبة معينة في كل دائرة. لم يجد في وجهه من يعارضه من المسؤولين التابعين له بل أنهم كانوا يثنون عليه ويشيدون بهذه المبادرة والبعض منهم أبدى استعداده للتخفيض بنسبة أكبر. في غضون أشهر تم التخلص من عدد كبير من الموظفين ونال القائد الثناء والتقدير وحصل على ترقية إلى منصب أعلى. تولى زمام القيادة بعده قائد آخر وإذا به يتفاجأ بتباكي وشكاوى قادة الإدارات من نقص الموظفين! فما كان منه إلا أن تبسم في وجوههم بسبب موقفهم السلبي الذي أوصلهم إلى هذا الحال، ورفض المطالبة بالزيادة لما لها من انعكاسات سلبية متوقعة عليه بعد حملة التخفيض التي كان لها صدى كبير.

ماهذا إلا موقف واحد من المواقف التي يتخذها بعض القادة بحق العاملين معهم من تسريح وعدم اكتراث بخبراتهم والمسؤوليات التي يحملونها على عاتقهم خارج العمل لتأمين الحياة والمعيشة لأسرهم، بالإضافة إلى القرارات الأخرى التي فيها تضييق وتنفير للعاملين وحرمانهم من الكثير من المميزات والحقوق.

البيئة الجاذبة لاتعني التهاون وترك الحبل على الغارب بحيث يقف القائد متفرجا مطلقا العنان لتعم الفوضى والتسيب من قبل بعض الموظفين الذين لايشعرون بالمسؤولية، وليس بالضرورة تلبية كل مايؤمله ويرغب فيه الموظفون فرضاهم غاية لاتدرك ويستحيل تحقيقها. كما أنه أحيانا يحتاج لاتخاذ قرارات حازمة حسب نظرته الشمولية، ولايمكن أن يتجاهل القوائم المالية والوضع الاقتصادي الذي قد يحتم عليه اتخاذ إجراءات وقرارات لإنقاذ الموقف حتى وإن كانت قاسية. وهنا تتجلى خصائص القيادة الحكيمة التي تتمتع بمهارات عالية لكيفية معالجة الوضع باستخدام الآليات المثلى والقرارات المناسبة إذا ما دق ناقوس الخطر. ولا يغيب عن الذهن المنهجية التي انتهجتها بعض منظمات العمل التي اتفق قادتها والتابعون لهم على الخروج في إجازة بدون مرتب لعدد من الأشهر لإنقاذها من الخطر بدلا من اللجوء إلى تسريح عدد من الموظفين. وقد لقي ذلك استحسانا وتأييدا من قبل الموظفين ساهم في حل المشكلة مع الحفاظ على هدوئهم ومعنوياتهم العالية مما ضاعف من إخلاصهم وولائهم وإنتاجيتهم.