آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

ما يحدث في ”الفواتح“ بين الحقيقة والسيناريو!

عادل القرين *

مات الشاب وأحدث هزة شعورية على أهله، فاعتلى أحد رجال الدين منبر المأتم، وزجر العوام بعدم السلام على كامل المجلس كي لا يضيع الوقت، وتُنسى تلاوة القرآن الكريم!

من المتعارف عليه هُنا وهُناك قوة التواصل والنسيج الاجتماعي،، بالحضور الكثيف، والتعداد الأليف، ولا سيما في وسطنا الأحسائي ولله الحمد والمنة.

فلا تجد مناسبة تلمك بآهات القدر إلا وتجشمت الأرواح للسير نحوك في الأفراح والأتراح، دون مُبالاةٍ بعواق الطريق، ومُنزلقات المادة؛ وما هذا التواصل إلا ثمرة جيدة تسيدها القرآن، وامتدحها الرحمن بتواتر الأحاديث النبوية الشريفة.

نعم، يزعم البعض بأن السلام على كافة الحضور إضاعة للوقت، وتناسى ثواب المصافحة والسلام، والروايات التي تحث عليها كما ورد: ”إذا التقى المؤمنان فتصافحا أقبل الله بوجهه عليهما وتتحات الذنوب من وجوههما حتى يفترقا“، وكذلك ”إن الله عز وجل لا يقدر أحد قدره وكذلك لا يقدر قدر نبيه وكذلك لا يقدر قدر المؤمن، إنه ليلقى أخاه فيصافحه فينظر الله إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا كما تتحات الريح الشديدة الورق عن الشجر“.. وأيُّ طريقٍ للجنة أقصر وأفضل من ذلك يا إخواني؟!!

فالمصافحة تُزيل الأحقاد، وتشد المداد، وما هذه اللحمة إلا من باب التفاعل الاجتماعي، والذي حث عليه الدين بأكثر من دلالةٍ ومقامٍ سامٍ.

الغريب في الأمر، والمُضحك في آنٍ واحدٍ، بأن البعض يأمر بعدم إضاعة الوقت بالمصافحة، ويجهل فضلها وما وردت فيها من أجرٍ كبيرٍ.. في حين يدخل البعض منهم المجلس ويتسيد مكان أهل العزاء، وتُزلزل الأرض تحت الأقدام من قبل الحضور للسلام عليه في مكانه، هذا بخلاف الفوضى والتزاحم لنيل البركة، ولا أعلم ما قرينة هذا الفعل بما أوردته السيرة والسلف الصالح، وكذا من هو الأولى بالسلام على الآخر، هل الواقف على الجالس، أم الجالس على الواقف؟

حقيقةً تنتابُني القشعريرة للأفواه التي تتسارع لأن تطبع قُبلاتها على الرؤوس، وتنحني معها الأظهر، وتمسح الوجه بالأكف بعدها لنيل البركة، وتتجاهل من أوصى الله برعايتهم بالصُحبة ومن هذه الدلالة القرآنية الكريمة ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً

فبالله عليكم، من يستحق له الانحناء، وكم قُبلة نُقبلها إياهم ساعة لقياهم، وما الشعور والأجر الذي نتحصل عليه؟

وأيُّ طريقٍ أقصر من هذا؛ وأيُّ صُحبة نالتها الأم والأب؛ وأيُّ جنة تحت أقدام الأمهات، وأيُّ قولٍّ أنت ومالك لأبيك؟!!

وما أوجع تلك الجباه المتفطرة لكبار السن، وما أبهى تلك الأيادي التي أرهقها منجل الحياة، ساعة من يُطأطئ لهم برأسه ويده للتقديس الأعمى.. فواعجبي!

أم من يشير إلى المديح ليبحث لنفسه أو حاشيته عن شهرة باتباع من قوله ينافي فعله، بقيادة حملة حجٍ، أو إدارة حفنةٍ، أو وجاهة بكل الأحوال، مثلما اختصرها المثل الحساوي: ”اخذ من كيسها وعيدها“

هذا بخلاف من يصعد الأعواد، ويُهزئ العباد، بعد مقدمته المعتادة: ”يا ليتنا كنا معكم، فنفوز والله فوزاً عظيماً“، وهو يشترط قيمة المجلس، كما يفعل هاتف العملة مع الأسف!

همسة ختام:

كما هو حال أيضاً مع من تتفق معه على توقيتٍ مُعينٍ لوليمةٍ، أو دعوة لساعةٍ مُعينة فيزيدها بالتسويف والتأخر لاستقباله بالضجيج المتعمد للفت الانتباه، مع قبلاتي الحارة لجدك الذي ترك مكانه ليُجلس من يصغره بنصف قرن من الأعوام ويزيد، وكذاك لمن يُرسل إلى ثغرك رأسه لتقبله وهو يتحدث بالهاتف النقال، وكذا من يُلغي الصفوف، ويُطارح الحتوف، ويُنافي المألوف بالحزن والفرح بتجاهل ”الله الله في نظم أموركم“ بالوصية!