آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

ثلث مليار على ذمة الناصر...!!

الدكتور محمد المسعود

ظهر الشيخ أشرف الناصر على قناة تلفزيونية وطنية، وقال أن وكلاء الأخماس «يتلاعبون بمال الخمس» ثم ذكر أن المبلغ الذي يتم تحويله إلى العراق وإيران يصل إلى مئة مليون دولار سنويا..! وطالب ببناء كليات وبناء مستشفيات ومدارس بها..!.

فرأيت أن من فروض الواجب الرد والإيضاح.. عبر نقاط أولية وجوهرية، وبعضها يتصف بالمعرفة الضرورية التي يتعين على كل مكلف معرفتها والإحاطة بها، إلا أن كلامه سيحوجنا للتذكير بها.

أولا: كل أتهام هو من الحقائق المحتملة، ويكتسب الإثبات والنفي بالبرهان وقد حمل الشيخ ذمته «أن ثلاثمائة وخمسة وسبعون مليون ريال» أكثر من «ثلث مليار ريال يتم أخراجها سنويا..!!.

وحين يمثل هذا «الخمس» على «الزائد على مؤنة السنة» أي «المال الفائض عن الحاجة..!». وبذا تصبح القطيف وقراها أغنى من أغنى ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي ولاية كاليفورنيا وهي التي تمثل 13% من الناتج المحلي الإمريكي. الثابت في علم المنطق: ان الحقيقية الواقعية هي حقيقية تطابقية، أي تنطبق على الواقع، وإلا عد الكلام من القول بالجهل وعدم العلم وهو منهي عنه شرعا وغير جائز قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ? إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء «36».

ولم أقبض على سبب صحيح لهذا التهويل التحريضي، من رجل يظهر على شاشة التلفزيون «بالهيئة الدينية» ليقول بغير علم أن أكثر من ثلث مليار يتم أخراجها سنويا على أيدي «وكلاء متلاعبون»، أي فاسدون ومنحرفون أخلاقيا..!!. لأن التلاعب في المال يعني الفساد الصريح..! وهذه دعوى من حق ضمير العدل أن يطالبه بتقديم برهان الصدق على أتهامه الغير في ذممهم وتخوينهم لأماناتهم، وإن كان الأتهام المرسل لا يمكن المناظرة فيه لسقوطه عن الإعتبار، إلا أنه يظل معيبا من رجل يتلبس بالهيئة الدينية ويتحدث أمام اعلام مرئي، بهذا التعميم المعيب والذي لا يتصف بالعفة.

ثانيا: من بديهي الفقه، وأصول التشريع، عند المسلمين كافة أن الوقف يصرف فيما أوقف لأجله، وأن الزكاة والصدقات تصرف في مواردها، بحسب عنوانها الشرعي، فلو خصص متصدق صدقته بصدقة العلم لم يجز صرفها على الفقراء، ولو خصصها لحجاج بيت الله الحرام، لم يجز صرفها على الأيتام مثلا. بالرغم أن وجه الصرف مندوب إليه في نفسه إلا أنه يخالف إرادة مالك المال،.. وكذا الحكم في الصدقات المحددة في موارد صرفها.

وبذا لا يفهم كلامه المخالف للثوابت المستقرة في الفقه، والبديهي من أصول التشريع، وهو من القول بغير علم أيضا وفي الفقه هو عمل محرم شرعا، لأنه فتوى بالجهل، وقد صح عن الإمام جعفر الصادق «أن أجرأكم على الفتوى أجرؤكم على الله تعالى».

ثالثا: لا يمكن قبول - ترحيل مشاريع - التنمية للمملكة «بناء مدارس وجامعات» على مال الفقراء، وصدقات المحسنين..! لأن هذا معيب في حق الدولة التي تتبرع بناء المدارس حول العالم من جهة، وهو غير جائز شرعا من جهة أخرى، لأن هذا ليس من موارد الصرف المنصوص عليها شرعا.

وإن بناء المدارس والجامعات يكون لها «التبرعات العامة» و«الصدقات المطلقة»، ولا يجوز صرف مال الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل عليها. ومن الواضح أن الشيخ الناصر لم يطلع على هذه الأحكام الشرعية في الرسائل العملية، «إنما الصدقات للفقراء» واللام هنا للملكية، والفقيه والوكيل محض مؤتمن على إيصالها لمستحقيها فقط ولا يملك حق التصرف فيها بتاتا. ولا يملك الفقيه الأدن بما لا يملك.

رابعا: ومن البديهي أيضا، أن فقهاء «الشيعة» لديهم أستقلالهم المطلق عن «الدول والساسة» بالمطلق، حتى ولو كانت الدولة بيد «شيعة» كما هو الآن في إيران والعراق. إلا أن الفقهاء والمراجع لهم ذات الأستقلال، لكي لا يصبح الفقيه داخل في القرار السياسي ولا في ميول الدولة ولا في مشاريعها.. ويصرف الفقيه على المدارس الدينية حول العالم، والدعاة، وطلاب العلم، مما يصله من مقلديه..

وعدم التبعية هذه جعلت الفتوى تتمتع بقوة حريتها، وبحريتها المطلقة، وبذا يشترك «شيعة العالم» في دفع ثمن التحرر من النظم السياسية عبر التاريخ. وهذا ما يجعل كبار الفقهاء في قم مثلا لا يقول بولاية الفقيه المطلقة، ويرى عدم أهلية البعض للتصدي للفتوى رغم شدة إلحاح طلب الدولة منهم، ويملك الفقيه الحرية المطلقة في أجتهاده لأنه ينال شرعيته من عموم مقلديه وأتباعه لا من وزارة ولا من دائرة أوقاف أو الشؤون الإسلامية التابعة لسياسة الدولة.

يقول الإمام محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى «منح الخمس حرية الفتوى لمراجع الشيعة عبر التاريخ، وجعلهم في أستقلال كامل عن سياسة الدول وتوجهاتها وميولها..». وهذا الأستقلال يجب المحافظة عليه دائما، وتقويته بأستمرار، مع إدارة الخمس عبر نظم المؤسسات الخيرية.. لتحقيق الرقابة والنزاهة. ينبغي في كل الأحوال أن يقال كلاما عاقلا يتصف بالفهم للحكم الشرعي أولا، ويطابق الواقع ثانيا ويتجرد من التعميم والتخوين ثالثا. وينتهي للمصلحة العامة وعدم التحريض أخيرا .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 14
1
ابوعبدالله
[ القطيف ]: 28 / 1 / 2018م - 7:55 م
رد واقعي متزن ورصين فما هرف به الناصر يعتقد بانه يقربه زلفى لنيل مكاناً في دائرة الاوقاف وعلى ما به من خلل فلا عنب عليهابعض على من استضاف شخصاً لا يجيد التحدث فظلاً عن عدم علمه والطيور على اشكالها تقع
2
ابواحمد
[ المملكة العربية السعودية ]: 28 / 1 / 2018م - 8:30 م
احسنت وشكر الله سعيك ...
واثابك الله على كل حرف نطقته في كلماتك التي تنبع من ايمانك وغيرتك على دين محمد صلى الله عليه واله وسلم ...

حفظك الله دائما ...
3
وطني اغلا وطن
28 / 1 / 2018م - 9:13 م
لقد ابتليت القطيف بما كسبت يدها وذلك بماحدث ويحدث من بعض من ماينسبون انفسهم لطلبة العلوم الدينية او الخطباء وهذا يحدث حسب الاهواء فنرى الولد الذي ما زال على مقاعد الدراسة الحكومية يلبس البشت والصاية بعد دوامة وهو ليست له دراية بالعلوم الشرعية وكذلك ممن عممو انفسهم بمعنى لبس العمامة وهو خالي الدماغ من المعارف الدينية واقول اين المعنيين في القطيف من مابحدث اما آن الآوان لمراجعة ماحدث
4
محمد
28 / 1 / 2018م - 10:10 م
احسنت بارك الله فيك على هذا المقال
5
ابو هادي
[ القديح ]: 28 / 1 / 2018م - 10:48 م
اقول للكاتب أحسنت .
و لمن ذكر 100 مليون دولار (ميزانية دولة )?حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له ، و سؤالي له أين تذهب أموال من يدفعون الخمس و يدفعون الزكاة عندك ؟؟
6
تقي عيسى الشيخ علي
[ القطيف ]: 28 / 1 / 2018م - 11:08 م
احسنت كلام قوي
7
عبدٌ لله
[ القطيف ]: 29 / 1 / 2018م - 1:25 ص
مقال رائع يكتب بماء الذهب .

لكن عندي سؤال : لماذا لا يوضع هذا المقال الرائع في التطبيق ؟

ينبغي نشر مثل هذا الكلام وإيصاله لأكبر شريحة ممكنة ، فهذا الزمان ومثل هذا المجتمع بدأ بعض أفراده -ومع الأسف- بالتأثر بمثل تلك الدعاوى الباطة، فلابد من الوقوف وقفة توعوية حازمة مدافعة عن رموزنا ومعتقداتنا بالبراهين الناصعة والواضحة.

وينبغي على جميع أفراد المجتمع المشاركة في مثل تلك الوقفة وعدم الاكتفاء بالمشاهدة ، ولو بنشر مثل هذا الكلام الرائع.
8
ابو هاشم
[ القطيف ]: 29 / 1 / 2018م - 10:19 ص
بين الحين والآخر يظهر لنا من هو محسوب على المدرسة الدينية لأهل البيت فلا نجد منه إلا الجهل وضحولة في الطرح والاسلوب ، أعتقد أن الحوزة التي تعطي العمامة لمثل هؤلاء جديرة بأن تنزعها منه لأنه لا يسيء لنفسه فقط وإنما يسيء لها قبل ذلك ، أعتقد أن على الحوزات أن لا لا يعطوا أي أحد عمامة إلا بعد غربلة وتمحيص شديد .
9
سرحان
[ دمنهور ]: 29 / 1 / 2018م - 11:12 ص
كلام جميل ورائع
10
Aboghareeb
[ Bqateef ]: 29 / 1 / 2018م - 12:46 م
الحقيقة يا دكتور وانت ايضا تهرف بما لا تعرف لقد خلطت الامور وطبلت اكبر تطبيل فكلنا يعلم بان الوكلاء حاليا من اغنى اغنياء القطيف وانظر الى ابنائهم وسياراتهم وفللهم الفارهه فاي وجه حق تتكلم عنه في صرف الاخماس وكذلك المراجع العظام ابحث عن ممتلكات ابنائهم واصهارهم في الدول الغربيه وارصدتهم كفانا تزلف ولنكن ولائيين في كشف الحقائق فانت اعتمدت على نصوص مكتوبه ولم تبحث في الواقع وافتيت وانت لم تكن من اهل الفتوى فراجع كلامك قبل ان تهرف بما لا تعرف
طبعا سوف تجد تصفيق حار من بعض النعام التي تدس راسها في التراب لكي لا تنكشف امامها الحقائق
نحن لا نوافق الناصر في كل شي ولكن نعارضك في كل شيء كتبته لانك لم تطلع ولا تريد ان تطلع والحقائق امامك
يا دكتور نصيحة لوجه الله لا نريد تخدير للمجتمع
11
علي أحمد
[ القطيف ]: 30 / 1 / 2018م - 1:38 ص
الى Aboghareeb
الناصر قال 100 مليون دولار يخرجها وكلاء البلد الى العراق وايران سنويا وكلامه هذا لا دليل عليه وهو كذب
وأنت يا Aboghareeb مثل الناصر بل اكثر كذب منه فلم يسلم من كذبك لا الوكلاء ولا المراجع ولا ابنائهم ولا اصهارهم
والكثير من اهل القطيف زار المراجع في قم والنجف وشاهد منازلهم وحياتهم المتواضعة وكذلك وضعية ابناءهم فعلى من تكذب ؟!
12
حليم
30 / 1 / 2018م - 3:35 م
كلام جميل

اشكر صاحب المقال . راي متزن
13
Aboghareeb
[ Bqateef ]: 31 / 1 / 2018م - 2:27 ص
الاخ علي انا اشكرك جدا على تعليقك واقول لك
لو كل كلب عوى القمته حجرا #### لاصبح الصخر مثقالا بدينار
14
ابو زينب
[ القديح ]: 31 / 1 / 2018م - 4:02 ص
أخي العزيز "aboghareeb" ...

اسمح لي ان ارد على كلامك و أقول أن المشكلة الأساس ليست في الوكلاء الذين -ربما- يسرقون الاخماس أو لا يحسنون إدارتها ؛ و إنما المشكلة فينا نحن المؤمنون الواعون الذين تخلينا بسلبيتنا عن أداء دورنا في حفظ و حماية المذهب و مقدراته ... و دعني أوضح لك ما أقول :

هل تعلم أن السيد السيستاني حفظه الله يشدد بشكل كبير على كل مكلف يقوم بدفع الخمس أن يطلب إيصالا من الوكيل باستلام المبلغ ؛ و هذا إلايصال يكون صادر من مكتب سماحته في النجف و قم ؛ و هي طريقة ذكية إذ بها يستطيع المرجع أن يعمل "Tracking" للأموال التي تصل إلى وكيل معين و يحاسبه حينما يرى نقصانا في الأموال المرسلة إليه أو "سوء ادارة" من قبل هذا الوكيل في التصرف في الأموال التي لديه.

هل تعلم ان السيد حفظه الله يفتي انك لو دفعت خمسك لوكيل و اتضح فيما بعد أنه "فاسد" فإنه يجب عليك ان تدفع الخمس للمرجع مرة أخرى و أن ذمتك لا تبرأ إلا إذا كنت قد قبضت "ايصالا" من مكتب المرجع باستلام الخمس المذكور ؛ فعندها فقط تبرأ ذمتك و لا يكون عليك شيء ...

و هنا انا أسألك : كم مرة طلبت ايصالا من الوكيل الذي تخمس عنده؟ و كم شخصا تعرف يطلبون إيصالا من الوكلاء الذين يخمسون عندهم؟ و كم وكيلا تعرف يعطي إيصالات للأخماس التي يقبضها من الناس؟

أم أننا أناس عاطفيون نستحي أن نطالب بذلك و نخاف من ردة فعل بعض الوكلاء حتى و لو كان عملنا هذا خلاف الحكمة و ارشادات المرجع حفظه الله ..إذا كان هذا حالنا ؛ فالأفضل أن نلوم أنفسنا فهي الأحق باللوم لا غيرها ...

ملاحظة : انا طبعا لست في معرض الرد على المقابلة أو على المقال و أن كانت لي مآخذات على كليهما و لكني في معرض تبيان مسؤوليتنا الشرعية تجاه الحفاظ على مقدرات المذهب بدلا من ان نلقي باللائمة على المراجع و كأنهم يملكون عصا سحرية لتقويم كل ما هو اعوج ...