ثلث مليار على ذمة الناصر...!!
ظهر الشيخ أشرف الناصر على قناة تلفزيونية وطنية، وقال أن وكلاء الأخماس «يتلاعبون بمال الخمس» ثم ذكر أن المبلغ الذي يتم تحويله إلى العراق وإيران يصل إلى مئة مليون دولار سنويا..! وطالب ببناء كليات وبناء مستشفيات ومدارس بها..!.
فرأيت أن من فروض الواجب الرد والإيضاح.. عبر نقاط أولية وجوهرية، وبعضها يتصف بالمعرفة الضرورية التي يتعين على كل مكلف معرفتها والإحاطة بها، إلا أن كلامه سيحوجنا للتذكير بها.
أولا: كل أتهام هو من الحقائق المحتملة، ويكتسب الإثبات والنفي بالبرهان وقد حمل الشيخ ذمته «أن ثلاثمائة وخمسة وسبعون مليون ريال» أكثر من «ثلث مليار ريال يتم أخراجها سنويا..!!.
وحين يمثل هذا «الخمس» على «الزائد على مؤنة السنة» أي «المال الفائض عن الحاجة..!». وبذا تصبح القطيف وقراها أغنى من أغنى ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي ولاية كاليفورنيا وهي التي تمثل 13% من الناتج المحلي الإمريكي. الثابت في علم المنطق: ان الحقيقية الواقعية هي حقيقية تطابقية، أي تنطبق على الواقع، وإلا عد الكلام من القول بالجهل وعدم العلم وهو منهي عنه شرعا وغير جائز قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ? إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الإسراء «36».
ولم أقبض على سبب صحيح لهذا التهويل التحريضي، من رجل يظهر على شاشة التلفزيون «بالهيئة الدينية» ليقول بغير علم أن أكثر من ثلث مليار يتم أخراجها سنويا على أيدي «وكلاء متلاعبون»، أي فاسدون ومنحرفون أخلاقيا..!!. لأن التلاعب في المال يعني الفساد الصريح..! وهذه دعوى من حق ضمير العدل أن يطالبه بتقديم برهان الصدق على أتهامه الغير في ذممهم وتخوينهم لأماناتهم، وإن كان الأتهام المرسل لا يمكن المناظرة فيه لسقوطه عن الإعتبار، إلا أنه يظل معيبا من رجل يتلبس بالهيئة الدينية ويتحدث أمام اعلام مرئي، بهذا التعميم المعيب والذي لا يتصف بالعفة.
ثانيا: من بديهي الفقه، وأصول التشريع، عند المسلمين كافة أن الوقف يصرف فيما أوقف لأجله، وأن الزكاة والصدقات تصرف في مواردها، بحسب عنوانها الشرعي، فلو خصص متصدق صدقته بصدقة العلم لم يجز صرفها على الفقراء، ولو خصصها لحجاج بيت الله الحرام، لم يجز صرفها على الأيتام مثلا. بالرغم أن وجه الصرف مندوب إليه في نفسه إلا أنه يخالف إرادة مالك المال،.. وكذا الحكم في الصدقات المحددة في موارد صرفها.
وبذا لا يفهم كلامه المخالف للثوابت المستقرة في الفقه، والبديهي من أصول التشريع، وهو من القول بغير علم أيضا وفي الفقه هو عمل محرم شرعا، لأنه فتوى بالجهل، وقد صح عن الإمام جعفر الصادق «أن أجرأكم على الفتوى أجرؤكم على الله تعالى».
ثالثا: لا يمكن قبول - ترحيل مشاريع - التنمية للمملكة «بناء مدارس وجامعات» على مال الفقراء، وصدقات المحسنين..! لأن هذا معيب في حق الدولة التي تتبرع بناء المدارس حول العالم من جهة، وهو غير جائز شرعا من جهة أخرى، لأن هذا ليس من موارد الصرف المنصوص عليها شرعا.
وإن بناء المدارس والجامعات يكون لها «التبرعات العامة» و«الصدقات المطلقة»، ولا يجوز صرف مال الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل عليها. ومن الواضح أن الشيخ الناصر لم يطلع على هذه الأحكام الشرعية في الرسائل العملية، «إنما الصدقات للفقراء» واللام هنا للملكية، والفقيه والوكيل محض مؤتمن على إيصالها لمستحقيها فقط ولا يملك حق التصرف فيها بتاتا. ولا يملك الفقيه الأدن بما لا يملك.
رابعا: ومن البديهي أيضا، أن فقهاء «الشيعة» لديهم أستقلالهم المطلق عن «الدول والساسة» بالمطلق، حتى ولو كانت الدولة بيد «شيعة» كما هو الآن في إيران والعراق. إلا أن الفقهاء والمراجع لهم ذات الأستقلال، لكي لا يصبح الفقيه داخل في القرار السياسي ولا في ميول الدولة ولا في مشاريعها.. ويصرف الفقيه على المدارس الدينية حول العالم، والدعاة، وطلاب العلم، مما يصله من مقلديه..
وعدم التبعية هذه جعلت الفتوى تتمتع بقوة حريتها، وبحريتها المطلقة، وبذا يشترك «شيعة العالم» في دفع ثمن التحرر من النظم السياسية عبر التاريخ. وهذا ما يجعل كبار الفقهاء في قم مثلا لا يقول بولاية الفقيه المطلقة، ويرى عدم أهلية البعض للتصدي للفتوى رغم شدة إلحاح طلب الدولة منهم، ويملك الفقيه الحرية المطلقة في أجتهاده لأنه ينال شرعيته من عموم مقلديه وأتباعه لا من وزارة ولا من دائرة أوقاف أو الشؤون الإسلامية التابعة لسياسة الدولة.
يقول الإمام محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى «منح الخمس حرية الفتوى لمراجع الشيعة عبر التاريخ، وجعلهم في أستقلال كامل عن سياسة الدول وتوجهاتها وميولها..». وهذا الأستقلال يجب المحافظة عليه دائما، وتقويته بأستمرار، مع إدارة الخمس عبر نظم المؤسسات الخيرية.. لتحقيق الرقابة والنزاهة. ينبغي في كل الأحوال أن يقال كلاما عاقلا يتصف بالفهم للحكم الشرعي أولا، ويطابق الواقع ثانيا ويتجرد من التعميم والتخوين ثالثا. وينتهي للمصلحة العامة وعدم التحريض أخيرا .