مع حسن المصطفى والسيد فضل الله
اشكر للأخ العزيز حسن المصطفى مقاله الاخير «حق الفرد في التفكير خارج عباءة المرجعيات الدينية»، والذي قدم فيه ردا على مقالي «وقفة مع حسن المصطفى في مقاله حراس العقيدة وممانعة التجديد»، وأوضح بما لا مزيد عليه ما يظنها ادلة لحق الفرد في التفكير خارج عباءة المرجعيات الدينية، الاستاذ المصطفى في مقاله قدم دليلا جميلا على صدق الدعوى التي قدمتها في مقالي الفائت حينما قلت: «المجتمع معني بتقبل هذا الواقع وينبغي ان يتجاوز لغة تكميم الافواه والمنع، وهذا الكلام وإن بدا في ظاهره ذا منطق، ولكنه يؤدي لدخول الناس كطرف في تلقي وتقييم بحوث علمية لا طاقة لهم بتحليلها، الامر الذي سيشكل لنسبة قد لا تكون قليلة حالة أهوائية في تقبل ورفض هذه البحوث، فمن يميل للمجددين سيرى ان اي بحث يندرج تحت اطار النقد لحقائق ومسلمات المذهب هو امر صحيح والعكس صحيح»، حسن المصطفى اجتهد في مقاله في الكلام عن ما افترضها حقائق ينبغي تجاوزها كمسلمات في حين انها برأيي ليست كذلك.
ذكر الاستاذ المصطفى ما نصه «أبو السعود يشير في حديثه إلى المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وهو الشخصية التي يعتبرها ”ضالة“ و”منحرفة“، دون أن يتجرأ على تسميتها»، في هذا المقطع يصفني الاخ حسن بانني اعتبر السيد فضل الله ضالا منحرفا دون ان اتجرأ على تسميته، وهذه النقطة مستغربة جدا وهي عموما ليست شاهدا في الموضوع ولكن يبدو ان الاحترام الكبير الذي يكنه حسن لفضل الله جعله اقرب للغضب منه الى الحلم في هذا التعبير، اقول: انا ليس لي ان «اعتبر او لا اعتبر» انا يا اخي حسن رجل متخصص بحوث وعمليات، وليس فقه واصول، نعم هناك من وصف السيد فضل الله بذلك وليس لي الحق في منعهم، انا ذكرت ان حالة الحنق التي يحملها محبو السيد فضل الله تجاه المراجع الذين افتوا بضلاله تجعلهم طابورا خامسا في الاصطفاف حول كل نقد لمسلمات المذهب الفقهية والعقدية والتاريخية كسلوك لا ارادي للرد على من اوضح ان مرجعهم لم يصل لمقام المرجعية بل بضلاله على حد تعبيرهم، أقول: إنَّ الخلط كما أراه هو ان استخدامك اخي حسن لمصطلح «المرجع الراحل» في وصفك للسيد فضل الله، والذي يشاركك محبو السيد في هذا التعبير هو محاولة لان تمنحوا انفسكم قبل الاخرين وصفا يشي بندية الرجل مع المراجع الاخرين واختلافه معهم في الفتوى والراي، وانتم بذلك تشيرون ضمنا ان مرجعا رأى ما لم يره الاخرون ينبغي ان يُحترم، احتراما لقاعدة الاجتهاد التي تمنح لصاحبها الحق في الرأي، وهذا الكلام فيه تجاوز لمقدمة مهمة اعرضت عنها اخي حسن غفلة او ربما جهلا منك مع الاعتذار، هذه المقدمة هي تعريف كلمة «مرجع» لدى الشيعة، فالمرجع من الناحية العلمية هو الاعلم فقها واصولا ويثبت ببينة غير معارضة، والبينة هي مجتهدان، هذا الكلام يعني ان هناك ما يشبه الانتخاب للمرجع، باستثناء أنَّ المشاركين بالتصويت فيه هم المجتهدون فقط، فمن يقول فيه العدد الاكبر من المجتهدين غير المتنازع على اجتهادهم انه الاعلم سيكون مرجعا، انطلاقا من ذلك فلو ادعى المرجعية رجل وحامى ونافح عن العقيدة فلن يكون مرجعا لأنه فقط قام بذلك، هذا الامر ينبغي ان تعيه جيدا أخي حسن فيما رأيت انها امثلة دامغة تدعم ادعاءك من وجود قنوات فضائية قدمت خطابا غرائبيا مؤكدا انها دليل لا يقبل الجدل على ما ادعيته من تساهل المراجع حول منامات وما يشبه الخرافات، في حين هل كان القائمون على هذه القنوات من المراجع الذين انطبق عليهم هذا المصطلح بمقدمات علمية او انهم اشخاص احسنوا الظن في انفسهم وطرحوا انفسهم للتقليد؟!!.
ملخص القول ما يلي: حسن يستخدم كلمة مرجع كوصف لشخص رات فيه شريحة من الناس انه كذلك، وهو بهذه النظرة لا يختلف عمن هم خارج المذهب في نظرتهم لهذا المصطلح، في حين كلمة مرجع هي لقب له مقدمات اوضحتها في الاسطر الفائتة ولا تنطبق على محمد حسين فضل الله، بغض النظر كان ضالا مضلا او كان حارسا للعقيدة، فالقضية هي قضية علمية بحتة.
يذكر الاستاذ المصطفى في تعليقه على المرجع الكبير الشيخ الوحيد ما نصه «هذا التيار ”الإقصائي“، وبعد موت التبريزي اتخذ من آية الله الوحيد الخراساني، مرجعية دينية له. والوحيد الذي يعد أحد أبرز أساتذة الحوزة الدينية في قم، شخصية ذات نزعة ”ما ورائية“ شاطحة، تعتمد على التأويل للنصوص العقدية بطريقة تخرجها عن سياقها ومعانيها، هو لا يمارس تأويلاً على طريقة المتصوفة، أو العرفاء الشيعة. وإنما يجترح خطابات ذات نزعة تقديسية شعبوية، تفتقد لأي رصانة علمية أو ذوقية»، الاخ المصطفى في هذا المقطع يدعم كذلك ما ذكرته انا مما ادعيت ان هناك نسبة غير قليلة حينما تُمنح حق تقييم كلام علمي لا يملكون الموازين العلمية لتقييمه سيكون كلامهم أهوائيا صرفاً وقائما فقط على استحسانات، الاستاذ العزيز حسن قدم وكثيرا ما قدم لغة سردية غير ناضجة وزع فيها الاتهامات تارة وعبارات التبجيل تارة اخرى دون معايير علمية قائمة على الدليل، حسن وصف المرجع الكبير الوحيد الخراساني بقوله
«شخصية ذات نزعة ”ما ورائية“ شاطحة، تعتمد على التأويل للنصوص العقدية بطريقة تخرجها عن سياقها ومعانيها»،
وهذا الحديث هو اتهام ارسله حسن كما العادة ارسال المسلمات، وفي تصوري ان من المهم جدا الوقوف مع الاخ المصطفى بشيء من الهدوء والتأمل في منطقه ككاتب وتحليل شخصيته ليتمكن القارئ الكريم من فهم المشكلة التي تسبب له اخطاء تبدو كما اراها غير مناسبة لكاتب مرموق في الاعلام العربي، حسن كما اراه من حيث يدرك او لا يدرك وضع نفسه معيارا حقيقيا لتقييم المراجع، ويبدو ذلك من خلال قناعة يحملها بانه صاحب عقل فاحص ومتابع ولا يمكنه ان يسلم نفسه وفكره لوصي يأخذه يمينا وشمالا متى اراد، حسن كما افهمه يدعوا للتفكير الحر، ويرى ان القيود التي تكبل العقول بدعوى ان «المرجع أبخص» هي قيود ينبغي ان تزال، ولكن المشكلة هنا هي غياب المعيار الحقيقي للتقييم، وغياب هذا الامر قد يقود لنتائج كارثية يمكن ملاحظتها في التنوع الفكري، فهناك من يصف شخصا بالإرهابي واخر بالمناضل، واخر يصف شخصا بالشهيد واخر بالإرهابي القتيل، وهكذا دواليك، الانسان يُعمل عادة المنطق في تقييم امر بعيد عن دائرته في كوبا او الاكوادور مثلا، في حين يبدو مؤدلجا بمقدار اقترابه من دوائر الصراع، حينما ينتمي حسن لدائرة المجددين ممثلة في احد رموزها بمحمد حسين فضل الله فانه من حيث يشعر او لا يشعر سيضفي على كل كلماته قداسة واحترام والعكس صحيح في الدائرة المقابلة، إذ سيقصيها تماماً مثلما فعل حسن مع الشيخ التبريزي والوحيد واخوانهما المراجع، فكلهم إقصائيون، كلهم رجعيون، كلهم يقفون في وجه التجديد، أما الدليل فلا شيء سوى سرد طويل ليس فيه إلا دعاوى خالية من أي قيمة علمية تذكر.
ان التفكير - اخي حسن - هو استخدام المعلومات لكشف المجهولات، ويمكن للمثال التالي ان يوضح ذلك: فحينما يكون لديك معادلة تقول س × ص = 27، ويكون لديك معطى يقول بان س= 9، ستعرف حينها ان ص= 3، في حين لو لم تكن لديك قيمة س فستكون المعادلة ذات مجهولين وهي مستحيلة الحل رياضيا، هذا يعني ان احدا حينما لا يستطيع ان يحل المسالة لا يسمى غبيا، ولكنه لا يملك المعلومة التي تمكنه من الحل، العقول اخي حسن تتفاوت في نتائج تحليلاتها بمقدار ما تمتلك من مقدمات، وما لا تستطيع ان تفهمه انت او ما تجده غير منطقيا لا يعني في الواقع انه كذلك، انطلاقاً من ذلك فان الامور التخصصية يتم التعامل معها بأسلوب الاستفهام لا بأسلوب الندية، وهذه تماما ما انت تعاني منها مع الاحترام والاعتذار لك، انت تقيم وترجح وتطلق احكام تصل لمستوى تسفيه الطرف الاخر تماما، في حين ادعي انك ستكون اكثر حذرا في التعامل مع اي راي علمي يقوله عالم ما في هذه الدنيا لا يرتبط بدائرتك القريبة برابط، ستكون اكثر عذرا لتبرير عدم فهمك لكلام عالم الرياضيات والكيمياء والفيزياء والفلك والموسيقى والفنون وغيرها، ولكنك لن تكون موضوعيا في تقييم الدائرة التي تصنفها كحراس عقيدة، لأنك باختصار مؤدلج بما يكفي لابتعادك عن لغة المنطق، وانا لا اقول ذلك لأُهينك او استصغر شأنك، حاشا لله، ولكنني ادعي ان هكذا امر هو خاصية ونزعة انسانية لا يمكن نزعها من الانسان المؤدلج الا بكثير من الجهد والتعليم.
وقفة تصحيحية: لم اكتب هذا المقال لأتحدث عن السيد محمد حسين فضل الله ولكنني اراك اخي حسن اقحمته في الامر، القضية هي قضية أهلية لمقام المرجعية، ولو ان احدا نافح عن العقيدة فلن يكون مرجعا لأنه فقط فعل ذلك، ارجوا جدا ان تتأمل في هذه الكلمة لتدرك ان المسألة ليست مسالة اصطفاف مع أحد نتيجة توحد المصالح والاهداف، ابدا حاشا لله، القضية قضية شرعية بحتة لا أهوائية.
ختاما: اشكر لأخي وصديقي حسن المصطفى تلطفه بالرد علي، وادعوه لان يكون اكثر بحثا وتأملا وحذرا فيما يكتب، ويمنح نفسه فرصة كافية لمراجعة مقدماته التي يبني عليها نتائجه، بذلك يستطيع ان يتحاشى كثير من المحاذير والاخطاء التي يقع فيها وتتكرر في مقالاته، شكرا من القلب اخي حسن،،