الفرج يدفع ثمن التفكير الحر..!
في أواسط 1993؛ نشرتُ مقالاً مطوَّلاً في ”اليوم“، تحت عنوان ”علي الفرج.. شاعريةٌ حالمة في ثياب رجلِ دين“. ومن أسَفٍ أن الرقيب شطب ”في ثياب رجل دين“ من العنوان. كان المقال يستعرض نتاجَ شاعرٍ شاب حيِّ اللغة حالمِها، على ما كان عليه من انغماسٍ وتفرُّغٍ للدراسة الحوزوية التي بدأها بعد الثانوية أواخر الثمانينيات، امتداداً لميولٍ دينية، أعرفها شخصياً، منذ منتصف الثمانينيات.
في المقال؛ شغلتني المفارقة. المعمّمون لا يكتبون الشعرَ إلا مثقلاً بما تعلّموه في حلقات الدرس، لكن شعر ”علي الفرج/ الشيخ“؛ كان أرقَّ من ”قطر الندى“. كان نسيجاً من مرايا شفافة، تُذكّر بشفّافية شعر السيد محمد حسين فضل الله في شبابه، وبعض إيحاءات محمد سعيد الحبُّوبي. بعد سنواتٍ من ذلك المقال؛ أخذت صورة الشيخ المُصرّ على طلب العلم ”الحوزوي“؛ تنفرز، أكثر، بين المعمّمين، بالذات الذين التحقوا بموجة ”طلب العلم“ في الثمانينيات والتسعينيات.
ربما كان من أوائل الشعراء السعوديين الذين أسسوا مواقع على شبكة الإنترنت، في بداية الألفية. وكان ”نسيج المرايا“ أشبه بثيمةٍ تطعّمت بها نصوصه العمودية والتفعيلية، حتى أن بعض الأصدقاء أشار إليه ب ”شاعر المرايا“، وشملت الإشارة أخويه أيضاً: أمل ومحمد، لكثرة ما تردّدت كلمة ”المرايا“ فيما يكتبه الثلاثة من الشعر:
نزيف في المرايا من يسدُّ جراحها الحُبلى
ومن يَعِدِ القرنفل أن يعيد لوجهه فصْلا
سيلبسُ لونَك الكونُ الكبيرُ ولونك الأحلى
شفاهُك تجلدُ العطش الحريق وتجلد الرَّملا
ووسط الظهر تفتح فوق وجهك للندى حقلا
ويبتلُّ الدعا بصداك واسمك آية تتلى
على أن المهمّ هنا هو الهمس الشفيف في شعر ”شيخ“. والأهمّ أن هذه الزاوية من شخصيته؛ تُشير إلى تفتُّحٍ أوسعَ مما يبدو. ربّما تأثر الشيخ بمصاحبة الشاعر العراقي جواد جميل في دمشق، كما أشار الصديق حسن المصطفى في مقالةٍ منشورة قبل يومين. وأُضيف من عندي، أيضاً، مصاحبة السيد مصطفى جمال الدين. لكن التأثير مهما بلغ؛ فإنه لا بدّ له من استعداد ذاتيٍّ في الأصل. المقصود؛ هو أن الفرج مؤسَّسٌ على فهمٍ مختلفٍ عن ذلك الذي نعرفه عن ”الآخُوْنْدية“ المتحذلقين بتقاليد المجاملات المكرورة..!
وقبل بلوغه الثلاثين؛ نشر مجموعتَي شعر، وكتابين. أحد الكتابين ”تجديد البلاغة“، حاول فيه إعادة قراءة التراث البلاغي من منظور حديثٍ. والآخر ”كائن اللغة“ درس فيه الظاهرة اللغوية بوصفها كائناً حيّاً. وكلا الكتابين اللّسانيين؛ يُبشّران برؤيةٍ حداثية جداً، قياساً ببيئة الدراسة المحسوب عليها. وهو ما يُبشّر، أيضاً، باستقلالٍ في التفكير، اتّسعَ، أكثر، في جوانب أُخرى من المناقشات العلمية والثقافية في بيئة زملائه الطلبة.
ما كان لطالب علمٍ أن يخرج عن السياق الذي يجمعه بمحيطه، لا في الرأي، ولا في التعبير عن الرأي. هذا ”التابو“ جرّ عليه جَورَ معمّمين لم يُرحهم استقلاله واحترامه عقله. وصل الإيذاء إلى حدّ الاستقواء عليه ومحاولة تشويهه واستصدار فتوى ضدّ أفكاره، بل ضدّ شخصه. وعلى الرغم من عمق الأذى والتجريح؛ حافظ على رقيّه حتى في مواجهة المشنّعين عليه..!
وما أشدّ غباء المكر السيء وفشله؛ فكلّما شُنِّع عليه؛ ازداد الناس التفافاً حوله وإجلالاً له، واحتراماً لرأيه. وما موجة التهويل التي استهدفته في شخصه، على خلفية كتابه ”العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع“؛ إلا واحدة من ”مراجل“ جرّب ما هو أشدّ منها غلياناً، دون أن تفعل شيئاً غير إنضاج تجربته وخبرته.
ـ علي عبدالله علي الفرج.
ـ مولود في القديح 1391هـ، 1971م.
ـ أنهى الثانوية في القديح، ثم التحق بالدراسة الدينية في النجف ودمشق وقم.
ـ نُشر له:
1 ـ أصداء النغم المسافر، شعر 1417.
2 - نسيج المرايا، شعر، 1420.
3 ـ تكوين البلاغة: نحو إعادة صياغة للتراث البلاغي العربي.
4 ـ كائن اللغة.
5 ـ العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع.