الإسلام والحداثة وما بعد الحداثة
ظهر في العصر الحديث مصطلحين هامين يجدر الإشارة إليهما وهما مصلح الحداثة وما بعد الحداثة، هذين المصطلحين الذين مازالا محل غموض في العالم العربي وخاصة في الفكر العربي الإسلامي الحديث، وأردت التحدث عن المصطلحين وهذا من خلال ما كتبه الأستاذ ”زكي الميلاد“ حولهما في كتابين، الأول بعنوان «الفكر الإسلامي - قراءات ومراجعات -»، وأما الكتاب الثاني فهو بعنوان «الإسلام والحداثة - من صدمة الحداثة إلى البحث عن حداثة إسلامية -». وقد ذكر الأستاذ ”زكي الميلاد“ عناصر مهمة وقيمة فيما يخص علاقة الإسلام بالحداثة وما بعد الحداثة يجب الرجوع لها والتذكير بها وتتمثل فيما يلي:
1 - الحداثة والإسلام:
إن نسق الحديث عن الحداثة والإسلام هو نسق جديد، لم يكن مطروحا قبل ظهور ما سميّ بالانبعاث الإسلامي، وقبل ذلك كان مجرى الحديث يتحدّد في نسق آخر تارة بعنوان الحداثة والتراث، وتارة أخرى بعنوان القديم والجديد، وتارة ثالثة بعنوان الأصالة والمعاصرة.
ولعل مجلة المواقف وندوة مكتبة دار الساقي التي عقدت في لندن في سبتمبر 1989م، تحت عنوان الإسلام والحداثة، من أسبق المحاولات التي أثارت الحديث حول هذا العنوان، وكان قد حضرها عدد بارز من تيار الحداثة في العالم العربي، وغاب عنها من ينتمون إلى التيار الإسلامي.
وفي هذا النطاق أيضا صدرت بعض المؤلفات مثل: كتاب الإسلام والحداثة لمؤلفه الدكتور عبد المجيد الشرقي، وكتاب الإسلام وضرورة التحديث للدكتور فضل الرحمان، وباللغة الفرنسية أصدر الشيخ عبد السلام ياسين كتابا بعنوان أسلمة الحداثة. أما على مستوى الصحافة والمجلات والدوريات العربية فقد تزايد الاهتمام بهذه القضية بصورة مزايدة.
والمشكلة في هذا الشأن، أن الحداثة قدّمت نفسها وبشّرت بخطاب في المجال العربي، دفعت بالفكر الإسلامي إلى أن يتعامل معها بحذر وسلبية.
فالحداثة بهذا الخطاب الحاد والمستفز والصدامي، كانت تثير قلق الفكر الإسلامي، الذي وجد فيها هجوما على التراث ونقدا للهوية وتغريبا للثقافة، وتبعية للنموذج المجتمعي الأوروبي.
والملاحظ أن الطريقة التي قدّمت فيها الحداثة في المجتمعات العربية والإسلامية، تشابه إلى حدّ كبير الطريقة التي قدّمت في أوروبا من دون الالتفات إلى مابين العالمين من خصوصيات فارقة ثقافيا وتاريخيا ودينيا، وبصورة لا تقبل المقارنة والقياس، الأمر الذي أصاب الحداثة بالغربة في المجتمعات العربية والإسلامية.
2 - الإسلام ومابعد الحداثة:
لم تقترب الكتابات الإسلامية كثيرا صوب فكرة مابعد الحداثة التي شغلت ومازالت تشغل اهتمامات الفكر الغربي، وليست هناك كتابات في المجال العربي بالذات تلفت النظر بعناية إلى العلاقة بين الإسلام وهذه الفكرة، وما يوجد في هذا الشأن مجرد إشارات عابرة لا تفتح أفقا ولا تحرك ساكنا ولا تثير جدلا، ولا تكوّن رؤية.
وهذه القضية مازالت خارج النقاش الفكري في المجال العربي، لكنها مرشحة مع مرور الوقت لأن تصبح في قلب وصميم هذا النقاش، وذلك لأن الأنظار بدأت تلتفت إليها، ولأن النقاشات العابرة حول العالم تجاه هذه القضية سوف تلقي بظلالها علينا، وعندئذ سوف نتعرف على حوافز بإمكانها أن تعلي من شأن هذه الفكرة، وبشكل يفوق فكرة الحداثة نفسها.
أما لماذا تأخر الاهتمام في الكتابات الإسلامية تجاه هذه القضية، فلعل ذلك عائد إلى الملاحظات التالية:
أولا: هناك انطباع في بعض الكتابات التي تناولت هذه القضية، ترى أن فكرة مابعد الحداثة هي فكرة تعبر عن خصوصية في الشأن الأوروبي، ولها وضعيتها الخاصة في المجال الأوروبي تحديدا، وبالشكل التي لا تعني باقي المجتمعات الأخرى، ومنها المجتمعات العربية الإسلامية.
ثانيا: هناك من يرى أن المجتمعات العربية والإسلامية مازالت في وضعيات ماقبل الحداثة، وتحاول جاهدة اللحاق بركب الحداثة، وخطواتها في هذا الطريق ظلت متعثرة منذ قرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وبالتالي فإن الشرط التاريخي لا يسمح لهذه المجتمعات الانشغال بفكرة مابعد الحداثة التي تفصلها عنها مسافات حضارية بعيدة، ولا معنى لهذا الانشغال أساسا مادامت هذه المجتمعات تنتمي إلى مرحلة ماقبل الحداثة، ولم تقطع شوطا كبيرا في الطريق إلى الحداثة، فكيف بها والطريق إلى مابعد الحداثة.
ثالثا: هناك من يرى أن فكرة مابعد الحداثة مازالت فكرة غامضة ومبهمة ومضطربة، تتباين في داخلها وتتعارض وجهات النظر بين الأوربيين أنفسهم أصحاب هذه الفكرة، وينقسمون حولها ويتنازعون، ولم تتحدد لها هوية واضحة ومحددة تعرف بها، وتفهم من خلالها.
وفي هذا الصدد هناك من يرى أن هذه الفكرة تعبر عن نقد جذري وصارم لفكرة الحداثة لتجاوزها، والخروج عليها وتغيير مساراتها. وهناك من يرى أنها فكرة جاءت استمرارا لفكرة الحداثة لكن بصورة جديدة تعبر عن حداثة ثانية أكثر تجددا وتطورا من الحداثة الأولى السابقة إلى جانب من يرى فيها انتكاسة وصدمة للحداثة تدفع بالتحول من العقلانية إلى اللاعقلانية، وبين من يرى فيها تصويبا وتصحيحا للحداثة ومساراتها، بالإضافة إلى من يرى فيها مواكبة واستجابة للتطورات المذهلة في تكنولوجيا المعلومات، وتقنيات الاتصال وشبكات الإعلام إلى جانب وجهات نظر أخرى.
وبالتالي ما قيمة الاهتمام بهذه الفكرة مادام يحيط بها كل هذا الغموض والإبهام والتناقض.
رابعا: هناك من يرى وبخلاف التصورات السابقة أن لا فرق بين الحداثة ومابعد الحداثة بالنسبة إلينا في المجال الإسلامي.
وفي الأخير يمكن القول أنه إذا كانت إشكالية الحداثة هي واقع وصل بين الحضارة الغربية والحضارة العربية فكان إنتاجه حسب البعض جسرا للاتصال والترابط، فقد بدى للبعض الآخر عكس ذلك تصادم وتنافر نظرا لاختلاف الإيديولوجيات وإن كان البعض يسعى إلى تفادي هذه الفوارق التي لا يمكن تجاهلها، وغض النظر عنها، فقد تكون الحداثة تارة ايجابية لكونها إحدى مراحل التاريخ والتي تضمنت فلسفة التقدم بدفعها لعجلة الفكر إلى الأمام وفتح الآفاق لرؤية حداثية معاصرة تشد الجميع إلى ركب واحد، إلا أنها تارة أخرى سلبية ترمي بثقلها دون مراعاة الخصوصية فلو نجحت الحداثة لما اندثرت مفاهيمها في إطار سمي ما بعد الحداثة.
ويبقى السؤال مطروحا والنقاش حوله مفتوحا هل هناك حداثة إسلامية؟ مثلما دخل مصطلح العولمة للعالم العربي والإسلامي.