اجتهد الضامن في برنامج «لمّة وسوالف» فأصاب وأخطأ
أحيانًا قد نقرأ أو نسمع موضوعًا فيثيرنا، بل يستفزنا، وخاصة إذا كان يلامسنا، أو له علاقة بنا.
وهذا الذي دعاني إلى كتابة هذا الموضوع عند سماعي لبرنامج ”لمّة وسوالف“ بحلقته التي استضافت الفنان الأستاذ عبدالعظيم الضامن، تلك الحلقة التي امتدت إلى ما يقارب الأربعين دقيقة، وكانت الأسئلة منصبّة حول قرية سنابس، وتناولت عدّة أمور، وقد أبان الأستاذ الفنان بعضها وجلّاها، ولكنّه تعثّر في بعضها، ولا غرابة فلكلّ جواد كبوة، فهو لم يأل جهدًا في بيان ما يعرفه، ولكن خانه التعبير في بعض الأمور، ولا عجب، فلكل مجتهد نصيب.
وبما أنّني من بلدة سنابس، رأيت من المهم أن أدوّن مرئياتي حول الأمور التي تعثّر أو قصّر في بيانها فناننا الأستاذ، تفصيًا في رفع الإشكال، وسأحاول أن أركّز على الأهم فالأهم من العثرات، لكيلا يلتبس الأمر على البعض، وخاصة ممن هم حديثو النشأة.
لذا فسأضع مآخذي على شكل نقاط؛ تسهيلاً في عرضها:
أولاً/ أرجع الأستاذ تسمية سنابس إلى رأيين، وهما كالتالي:
أ» الرأي الأوّل، ومفاده بأنّ رجلاً مع جماعة من قرية تاروت، رأى نورًا من بعيد، فكان يقول لهم: أرى «سناءُ بسٍ» من بعيد، فتتبعوا الضوء، فوجدوا قرية سنابس، وأهلها آنذاك قليلون جدًا.
واضح أنّ هذا الرأي واهن، وركيك، ونستطيع ردّه بسهولة، فقول الرجل التاروتي «أرى سناء بس» يفيد بأنّ سنابس لم تكن مسماة، علمًا بأنّ فيها جماعة تقطنها حسب قوله، فهل من المعقول عيش جماعة في مكان دون مسمّى؟ ثم إنّ عبارته «سناءُ بسٍ» تفيد معنى الضوء، ولكن لفظة «بس» لا تعطي فائدة لهذا الضوء؟ فإذا كانت لفظة «سناء» عربية فصيحة، بمعنى الضوء، فكلمة «بس» عامية، فكيف يشتق اسم مكان من كلمتين مختلفتين، واحدة فصيحة، وأخرى عامية؟
ثمّ هل من المعقول أنّ قرية يقوم بتسميتها شخص من خارجها، وهو يوافقون على ذلك؟
ب» الرأي الثاني، وفيه قال بأنّ سنابس منسوبة لسنابس البحرين، فبما أنّ في البحرين قرية اسمها سنابس، فالأقرب أنّ سنابس القطيف سمّيت نسبة لتلك، ولعلّ بعض سكّانها من تلك.
وهذا الرأي ضعيف هو الآخر، فتشابه التسميات لا يعدّ دليلاً ناهضًا على نسبة مدينة لأخرى. فهل طرابلس لبنان سمّيت نسبة لطرابلس ليبيا، والعكس مثلاً؟ وهل منطقة تركيا في القطيف سمّيت نسبة إلى تركيا الدولة؟
أظنّ أنّ الأستاذ لو سأل ذوي الخبرة في هذا المجال، لأفادوه، ولو أنّه تعذّر عن الإجابة في نظري لكان أجمل من هذين الرأيين.
هناك أقوال عدّة لتسمية سنابس، ولو تطرّق إليها، لكان أفضل من هذين الرأيين الهزيلين، فلو قال مثلاً بأنّها سمّيت بسنابس نسبة إلى [السنبوك] الذي اشتهرت بالإبحار فيه، والتعايش معه، فهو سنبوك، وجمعه [سنابيك]، وعند التخفيف يصير[سنابيس]، ثم يخفف، فيصير [سنابس]، لكان تعليلاً أهون مما ذكر.
لست الآن بصدد البحث عن التسمية، فتلك تسمية لها بحثها الطويل والعميق، غير أنّي نبّهت على العثرة، ولعلّ لنا وقفة أخرى مع التسمية في قابل الأيام بمقال يحمل سمّة علمية، موثّقة.
ثانيًا / ذكر القراقير في أكثر من موضع، وهذا خلاصة قوله: بأنّها الأقفاص الخاصة بصيد الأسماك، وهي تصنع من السلك الخفيف، ثمّ أبان أنّ منها الكبير الذي يستخدمه أصحاب المراكب، والمحامل الكبيرة، وسمّاها بالقراقير الكبيرة، وذكر بأنّها للأسماك الكبيرة، وأمّا القراقير الصغيرة، فهي ذات متر، أو مترين، وهي لصيد الأسماك الصغيرة.
وتعقيبي على هذا الشرح أقول: نعم، كما تفضّل الأستاذ بأنّ القراقير، هي أقفاص خاصة بصيد الأسماك، تصنع من السلك الخفيف، المسمّى «السيم»، ولكنني أخالفه في الباقي، لكون القفص الكبير لا يسمّى قرقورًا، وإنّما حيزة، والحيزة أحجام، فهناك حيزة گص باع، وحيزة گص باعين، وأخرى گص ثلاثة، وأخيرة گص أربعة، والحيزة معروفة في جميع مناطق الخليج. وهناك أيضًا «الدابوي» وهو حيزة كبيرة جدًا، وهناك «النشّال»، وهو قرقور، ولكنّه من عسق.
ثالثّا / ذكر الأستاذ بأنّ هناك طريقتين لصيد السمك، وهما: السكّار، والحضرة.
وهذا أيضّا غفلة، وعثرة وقع فيها، لكون الصيد له طرق عدّة، منها، السكّار، والحضرة، وكذلك القراقير، والقمبار، واللقية وقد ذكرهم في مواضع من الحوار، ولكنه لم يجعلهم عند ذكر أنواع طرق الصيد، وهذا غريب، وهناك أيضًا من طرق الصيد الياروف والحداق والسالية، والسالية أيضًا نوعان، فهناك السالية العادية، وهي المصنوعة من غزل يحملها شخص واحد، ويرميها على شكل دائري، عندما يرى مجموعة من الأسماك، ويوجد بها ثقل من الرصاص؛ وذلك لنزولها بسرعة أثناء الرمي، وهناك سالية الحضرة، وتستخدم فقط لصيد السمك المتواجد في الحضرة.
رابعًا / ذكر الأستاذ عبدالعظيم الألعاب الشعبيّة، كالدوام، والتيلة، والوسلي، والمحطّة، وهي ألعاب تشترك فيها جميع مناطق القطيف، ولكنّه لم يسمّ لعبة واحدة تفرّدت بها سنابس، مع أنّه ألمح بوجود ألعاب بحرية، فلعمري فلعبة [الهول]، هي لعبة بحريّة خاصة بأهل سنابس، ولا يشاركهم أحد في لعبها، أو معرفتها.
وكذلك عندما سئل عن لعبة الطائرة لم يؤكد على وجودها في أيام رمضان بسنابسنا، وهي أشهر لعبة يمارسها الشباب في الصباحات بالذات، وكذلك في وقت المساء.
خامسًا / استوقفتني عبارة الأستاذ «شعر النهمة» وتأكيده بأنّ هناك مجموعة من شعراء النهمة، وما أعرفه أنّ النهام قد لا يكون بالضرورة شاعرًا، والذي أعتقده بأنّ أكثر النهّامين في ذلك الوقت كانوا يأخذون الزهيريات من الشعراء المعروفين، غير أنّني لا أنفي أنّ هناك نهّامين هم في نفس الوقت شعراء، ولكنّهم قلّة.
والغريب أيضًا في كلام الأستاذ قوله: «شعر الموّال أو الزهيريات» في موضع آخر، وهذا سوء فهم، والتباس، لكون الموّال هو الزهيري.
سادسّا / عندما ذكر الفنان عبدالعظيم اللؤلؤ، قال بأنّ له أسماء، ولكنّه لم يذكر تلك الأسماء، وإنّما اكتفى بأنّ منها حبّة كبيرة، وحبّة صغيرة، وحبّة مائلة. فليته لو عدد تلك المسمّيات، ولو واحدة لكثرتها.
ولعلّ الأمر الذي أدهشني في عدم معرفته لانحصار اللؤلؤ حاليّا، معللاً بأنّ الأمر قد يرجع لتغيّر البيئة، أو لعدم وجود المحار كما في السابق.
وكأنّه لم يسمع باللؤلؤ الاصطناعي الذي قضى على الغوص وداناته.
طبعًا، هناك أمور كثيرة ذكرها الأستاذ، ولو أتيت عليها، لاحتجت وقفة طويلة معها، فالنقاط التي ذكرها كثيرة، وكل نقطة تحتاج شرحًا، وتبيانًا، كالنوخذة، والطوّاش، والقمبار.
نعم، حبّرت هذه المقالة، حبّا في إيصال المعلومة كما أراها، ولو لم يتعجّل الأستاذ الفنّان ورافق معه في تلك اللمّة والسوالف أحد النواخذية، أو المتبحرين في شؤون البحر، وتاريخ البلدة، لكانت الأمور متّسقة، ولأبرز وجه سنابسنا الناصع.