تغذية الأوهام
طبيعة المجتمع البشري ينأى نحو النماء على الصعيد الاقتصادي والعلمي والمعرفي وغيره، لذلك نجد الحركة الشمولية تبحث عن ما يصقل كل الجوانب الحياتية التي تسمو بالأفراد.
وتختلف عملية البحث المعرفي وأدواته من فرد إلى آخر وفق مفهوم ومنهج مبني على أساسيات انتقائية أو مخلوطة معتمدٌ على قراءة نقدية وموضوعية، مما يسهم ذلك في تكوين الوهم المعرفي، لمن خادن الاغترار نفسه، ودخول تلك الموجة إلى المنجز الفكري أو إلى نفس الباحث يسلب القيمة المعرفية والهدفية من المطلب، والخلل الذي أصاب ميزان البحث أيا كانت طبيعته، هو تضخم الوهم المطلق بوجود المعرفة الفكرية الكاملة.
من الجدير بالذكر أن الأوهام مختلفة لدى أفراد البشر حسب بيئتهم وثقافتهم وجنسهم، لذلك نجد أننا نوهم أنفسنا في الكثير من المواقف الحياتية وحتى لا يداخلنا الإحباط نتيجة الحقيقة التي لا نرغب بتصديقها، فنغذي الوهم على حسب حاجتنا لذلك، فنوهم أنفسنا أننا محبوبين أو مقربين أو محظوظين وغيره، هذا الإيهام يحمل من اللذة والراحة المخدرة، بحيث لا نرغب أن نستفيق من ذلك الإيهام إنما نزيد من تلك الجرعات الممتعة بقدر المستطاع، وإننا بهذا النحو نجني على أنفسنا بإغفالها عن الواقع وإن كان كئيبا أو محبطا.
هناك الكثير من العلوم المزيفة التي تهتم أيضا بتغذية الوهم في دواخلنا وتشوش فكرنا عن البحث عن حلول حقيقية للمشاكل أو البحث عن مصداقية سلوكيات البشر من حولنا ونصنع فقاعة الوهم بهدفيه مؤقتة، تزول مع استثارة الدماغ لصدمة فعلية تفقأ فقاعة الوهم المزاحمة لقدرات الدماغ للبحث والاستنتاج والحل.
فاتخاذ القرار الحاسم يحطم الوهم ويقفل المنابع التي تغذيه، كما أن توجيه المشاعر دون خوف وعقم ويأس بما يناسب كياننا البشري والإيمان بقدراتنا الفكرية في الاختيار الواعي، والانتباه انه ليس بالضرورة أن نثبت الشعور بالأهمية لدى الآخرين، كله يشل تغذية الوهم.
ليس علينا أن نمنع أنفسنا من مختلف الأحاسيس لنغذيها بالوهم، لأن تلك الأحاسيس منبه طبيعي للحقيقة حتى نفكر ونبحث وننتبه، فلا تخشى الشعور بمنغصات الحياة!