آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

حول تفشي النزعة الإقصائية

ابراهيم الزاكي

ليس من العقل ولا من المنطق أن يُحول البعض الخلاف والاختلاف إلى عداء ضاري لا يمكن حلّه إلا بإزاحة المخالفين لهم، وإقصائهم، ومنعهم من التعبير عن آرائهم. فهؤلاء الذين هكذا شاكلتهم يمارسون الإرهاب الفكري، والسلوك القمعي مع معارضيهم، فهم يعملون على إقصاء الرأي الآخر حينما تضعف حجتهم، أو عندما لا يملكون مقارعة الحجة بالحجة، بل ويعملون على فرض آرائهم على الآخرين بالقوة، وإجبارهم على سلوك ما يعتقدون أنه الصواب.

ويغيب عن هؤلاء أن من بديهيات الاختلاف حرية الرأي والتعبير، وقبول آراء الآخرين بصدر رحب، واحترام آراء المخالفين، والتحاور معهم بالتي هي أحسن من أجل الوصول إلى الصواب، أو الرأي الأفضل. إلا أن هؤلاء في الحقيقة لا يقبلون بالآراء المعارضة، ولا يتحملون سماع الرأي المغاير، فرأيهم هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب.

أصحاب النزعة الإقصائية لا تتسع صدورهم لمن يخالفهم الرأي، ويفرضون آراءهم وأفكارهم على الغير بالقوة، ظناً بأن ما يعتقدونه هو الصواب المطلق، وكأنهم يطبقون مقولة من ليس معنا فهو ضدنا، بل ويرون أن المعارضين لهم أعداء تجب محاربتهم وقتلهم إذا استلزم الأمر؛ فهم لا يسمحون بتعدد الآراء، ورأيهم هو الصواب المطلق، وما عداه خطأ يجب قمعه ومحاربته.

مشكلة هؤلاء أنهم لا يؤمنون بالتعددية، ويرون الأمور من منظار واحد، وشغلهم الشاغل العثور على ما يؤكد وجهة نظرهم، مهما كانت خاطئة أو خطيرة، وهو الأمر الذي يجر لارتكاب أخطاء فادحة تلو الأخرى من دون نقد أو مراجعة.

الاختلاف سنة كونية، وقيمة حضارية وإنسانية، وهو دليل سمو ورقي، فالأفكار لا يمكن أن تتقدم وتتطور من دون وجود الرأي الآخر، والسماح له بأن يدلو بدلوه، ويقول فكرته من دون إكراه. غير أن المشكلة مع هؤلاء أنهم يضعون العصا في دولاب التقدم حين يتشبثون بآرائهم الإقصائية، والتعصب لها من دون الاستماع إلى آراء الآخرين، متناسين احتمال أنها قد تكون غير صائبة، وربما مليئة بالعيوب والأخطاء، وغير منزهة من الأهواء.

خلاصة القول إن مواجهة الإرهاب الفكري يقتضي مراجعة نقدية لفهم أسباب هذه الظاهرة، والعمل على نشر وتعزيز ثقافة الاختلاف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والأفكار المغلوطة، والوعي بأهمية وجود الرأي الآخر احترامه. فالرأي لا تجوز مواجهته إلا بالرأي والمناقشة الموضوعية الهادئة، والتي تحترم الآخر مهما تكن درجة الاختلاف معه، فالاختلاف له قواعده وأسسه وإلا تحوَّل إلى احتراب لا علاقة له بالفكر والسياسة والمنطق.