إرادة الإصلاح
لم يعد واقعنا الاقتصادي المتأزم يخفى على أحد.. قد تغيب بعض التفاصيل سهواً أو عمداً، لكن الأزمة فاقعة إلى حد لا يمكن سترها، ومفرداتها أصبحت واقعاً يومياً تصفعنا لحظة رنين المنبه فجراً وتفزعنا بحكايات مؤلمة قبل النوم ليتحول إلى محطة وجع أخرى للفئات الأكثر تضرراً من الأزمة.
خبير دولي يقول إن دول المجلس «واجهت انخفاض النفط بسلسلة من السياسات الجديدة، مثل تخفيض الدعم عن السلع الأساسية وفرض ضرائب، هذا أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم، التي سترتفع أكثر عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المبيعات»، محذراً من أن «معدلات التضخم - وإن ظلت حالياً تحت السيطرة - إلا أن لها سقفاً زمنياً سينهار ببقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة». وبعيداً عن محاولات التقليل من وطئ الأزمة، تؤكد المؤشرات الاقتصادية على مواجهتنا لحزمة من التحديات يمكن تلخيصها في التالي:
تراجع معدلات السيولة نتيجة هبوط أسعار النفط بشكل كبير والذي انعكس خارجياً على ضعف التجارة العالمية وتقلص تدفقات رأس المال، وداخلياً على انخفاض لقيمة الصادرات، التي يشكل النفط عمادها الرئيسي، وبالتالي اللجوء إلى تخفيض الأجور والمخصصات المالية لموظفي القطاع العام، والتراجع في قطاعات تجارة التجزئة والسياحة والخدمات بشكل عام.
غياب الثقة بين المستثمر والحكومة نتيجة إقصاء القطاع الخاص عن القرارات الإستراتيجية، وبالتالي دفع القطاع نحو الاستثمار في الخارج أكثر من السابق.
ضعف القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية لأسباب كثيرة من بينها عدم قدرة التشريعات الحالية على توفير متطلباتها، إضافة إلى ظروف النزاعات التي تشهدها المنطقة.
تراجع قدرة القطاع العام على خلق فرص عمل جديدة، وتزايد المخاوف من تأثيرات برنامج خصخصة بعض القطاعات الحكومية الرئيسية على استيعاب الأعداد الكبيرة من القوى العاملة الحالية والقادمة.
لا شك أن هذه النتائج المؤلمة والتحديات الكبيرة هي ثمرة تاريخ طويل من الممارسات الخاطئة، ونحن بحاجة إلى بذل جهد كبير لمعالجة المسببات التي أدخلتنا إلى هذا النفق، والتي نعتقد أنها تقع في إطار العوامل التالية:
قد لا نملك رغبة في التطوير، وهذا يذكرنا بما يقوله الأطباء للمرضى من أن الرغبة في العلاج تساعد كثيراً على نجاح العلاج، وهكذا البرامج الاقتصادية، فما لم تتوفر رغبة في معالجة مكامن الخلل فيها، فهل نتوقع من ملائكة السماء أن تتولى المهمة؟ ولنفترض أننا مفعمون بالرغبة في التطوير، هذه أيضاً لا يمكن أن تحقق شيئاً ما لم تتحول إلى تخطيط وبرنامج وأهداف وسياسات ومبادرات، وهي الأدوات الإدارية الضرورية لإنشاء واقع أو تطويره.
والسؤال هنا: هل نمتلك قدرة على ابتكار النظريات والوسائل لتطوير الواقع، وهل أثمرت الرغبة في خلق قيادات قادرة على إدارة عملية التطوير والإصلاح والتنمية الاقتصادية؟ لنفترض مرة أخرى أننا نمتلك كل الأدوات الإدارية، ولكن هذا لا يعني شيئاً دون إرادة، والفرق كبير بين الرغبة والإرادة، إذ إن «الإرادة قوة أخلاقية وجهد متعقل وواعٍ، في حين الرغبة هي نزوع طبيعي مرتبط بالتمني»، كما يقول أرنست بلوك، ولا شك أن التمني لا يخلق واقعاً، بل المغالبة والسعي الجاد.
نحن بحاجة إلى خطوات عملية لمواجهة الواقع وتطوير اقتصاداتنا باستخدام مختلف الأدوات، وتجاوز أخطاء المراحل السابقة، خاصة كارثة الاعتماد على النفط، فالخطأ ممكن وهو ليس عيباً دائماً، بل هو من مؤشرات السعي والحركة نحو الأمام، ولكن العيب كما يقول الشاعر «أن تُبتنى فوق ذاك الصروح»، لأن تلك الصروح ستبقى هشة ضعيفة أمام أي تقلبات اقتصادية قادمة.