مقت الطائفية
كثرت في الآونة الأخيرة دعوات «فردية» تقام تحت عنوان «لا للطائفية»، وما انتشرت هذه الدعوات إلا بعدما استفحل «الرفض» بين الطوائف، وأصبحنا في عالم لا يغرد إلا من خلال «عشيرته» أو «طائفته»، متناسين الوطن والمخاطر المحدقة به من الخارج قبل الداخل، وهذا ما لم يكن موجوداً في مجتمعنا قبل ثلاثين سنة وأكثر.
سؤال يتبادر إلى ذهننا جميعاً لماذا استفحلت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، وبرزت على السطح. ولعلها قبل بروزها كانت في «مطابخ المستوردين» لها، منقبين عن أي تربة خصبة لهم في المجتمع، ولولا نجاحهم في هذا الغرس لما وصلنا اليوم لهذه الدعوات المستمرة تحت عنوان «لا للطائفية، نعم للتسامح والمحبة». من غرس فينا هذه البذرة نجده مستمتعا أو ربما متورطا في آلية نزعها من تربتنا الخصبة.
كما نلاحظ أن مروجي الكراهية في مجتمعنا هم دخلاء على البيئة التي يأتون إليها، فلم تكن مثل هذه الكراهية موجودة في مدن المملكة، لكن بعض من تتلمذ على شيوخ الظلام، وتشرب «التكفير» منهم، أصبح يروج لهذه البضاعة من خلال التعليم الذي كان «مختطفاً» من قبل هذه الجماعات التي نبتت كالفطر في أرضنا الخصبة، فأصبحنا اليوم ندعو بنبذها ونزع السواد من داخلنا.
كما نلاحظ أن مروجي الكراهية، تعدوا جميع الحدود فأخرجوا سمومهم عبر الفضائيات التي اعتمدت برامج في كثير من القنوات تروج لفئة من الناس ضد فئة أخرى، وما ذنب هذا المتلقي البسيط حينما يرى من يعتقد بأنهم «أهل ثقة»، يخرجون له على هذه الشاشات ويقذفون المذاهب ويكفرون من يختلف معهم، أشخاص أو مذاهب.
ولمعالجة مثل هذه الظاهرة وعودة التسامح المذهبي بين الجميع علينا التركيز في وسائل إعلامنا على تاريخية التعايش الجميل الذي عاشه الآباء والأجداد فيما مضى، وكيف أمضوا حياتهم بذلك بين الاحترام والتقدير، والزيارات المتبادلة والحضور في كافة المناسبات. وما قامت به جماعة من المثقفين في القطيف يوم الخميس الماضي، كان أشبه بتجمع رائع بين طوائف متعايشة تحت سقف هذا الوطن، وقد ركز هذا التجمع على الحب المشترك بين الطوائف والمناطق وإقرار التعددية المذهبية، والإجماع بينهم على الحب والتسامح و«لا للطائفية».
نحن اليوم بحاجة لمؤسسات في عمق المجتمع المدني تتبنى مثل هذه المبادرات ولتكن في جميع أرجاء الوطن، وما حدث إلا دليل وعي في الجيل الجديد المهتم بـ» التغريد»، ويلخص ثورته في مائة وأربعين كلمة، يرفض فيها استمرار مثل هذا الجدل، المتواصل في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه يظل عملٌ فردي بحاجة إلى ما نسميه بالمجتمع المدني، لنقل هذه الرؤية على الساحة الأكبر، وتبنيها وترويجها ولا سيما أن المملكة هي المبادرة دائما للحوار بين الأديان والمذاهب، وهذه رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أن أطلق حملة الحوار بين الأديان، ودعا لها أيضا في مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة.
وهذا ما نلاحظه بأن أي مبادرة وعمل لا يتم تبنيه من خلال مؤسسات المجتمع المدني، سيظل حلما يراود كثيرا من المثقفين، ويموت في المهد.