لزوم نبلغ الشيخ بالسالفة
ثمة تشابه بين المقولة الشهيرة «لزوم نبلغ الشيخ بالسالفة» وجملة وزير الخارجية البريطاني الأسبق «إرنست بيفن» «إن من واجبنا إبلاغهم بما نريد» التي خاطب بها عبر الهاتف نظيره الفرنسي «جورج بيدو» ليحددا موقفهما من مقترح خطة نظيرهما الأمريكي «جورج مارشال» الهادفة لإنقاذ أوروبا من آثار الحرب العالمية الثانية، فكلا الجملتين تعكسان القلق من القادم وضرورة اللجوء إلى من يمتلك الحل من أجل إنقاذ الموقف.
وبغض النظر عن الفارق في العلاقة بين مجتمع القبيلة و«شيخ القبيلة» الذي يجب إحاطته بما يجري واللجوء إليه لحل المشاكل الكبيرة والمستعصية من جهة، وبين طبيعة العلاقة بين بريطانيا وأمريكا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى، إلا أن المبدأ الذي يستند عليه كلا الموقفين واحد، وهو ضرورة البحث عن حل.
لقد أدركت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أن الدمار سيتجاوز انهيار البنى التحتية إلى ما هو أبعد، لينال من البنية الاجتماعية، وبالتالي ثمة مخاطر من انهيار كامل للمنظومة. إن الخوف من هذه النتيجة - إضافة إلى المستوى المتقدم من الشعور بالمسؤولية - دفعها إلى القبول بخطة «مارشال» التي أسهمت عبر «منظمة التعاون والاقتصاد الأوروبي» في إعادة إعمارها وتأسيس واقع سياسي واقتصادي واجتماعي جديد نلمس بوضوح ثماره في خلق منظومة الاتحاد الأوروبي كنموذج ناجح على مستوى الاقتصاد على أقل التقديرات.
دول الإقليم ومن بينها دول المجلس «وهو ما يهمنا هنا» تتعرض إلى ظروف اقتصادية صعبة قد تغير - إذا ما استمرت - الكثير من السمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وربما إلى صياغة جديدة للمنظومات والتحالفات، لذا ينبغي أن تستفيد دول المجلس من هذا الظرف للخروج بصيغة مبتكرة تؤدي إلى تقوية كيانها تمامًا كما فعلت الدول الأوروبية التي استجابت لمشروع مارشال.
إن التعقيدات التي يشهدها الاقتصاد العالمي يجعل من الأزمات الاقتصادية أمرًا طبيعيًا، غير أن الاعتماد على الموارد الاقتصادية التقليدية يؤدي إلى تمدد الأزمات أفقيًا وعموديًا، إذ من شأن الموارد التقليدية النضوب، وبالتالي التأثير على عدد من الأبعاد التنموية الإستراتيجية، ومن بينها الاستقرار الاقتصادي، ونجاح الخطط الإستراتيجية بعيدة المدى، وبالتالي غياب الثقة في الاقتصاد كعامل من عوامل التنمية الشاملة أو كمحفز لجذب الاستثمارات.
ومن المؤسف حقًا أن دول المجلس كانت تمتلك مؤشرات على وقوع الأزمة الحالية، بل تعرضت لأزمات مماثلة سابقًا. هذه المؤشرات والتجربة السابقة يجعلنا نعيد النظر في إطلاق صفة «أزمة» على ما يجري، فمن أهم عناصر الأزمة - كما يحددها علماء الإدارة والاقتصاد «المفاجأة» - ولسنا وحدنا في هذا، فقد حدث مثل ذلك لصندوق النقد الدولي عندما وضع تنبؤات «لم يستمع لها أحد» تشير إلى احتمال كبير لهبوط حاد في النشاط الاقتصادي العالمي وقدّر الصندوق تكبّد القطاع المالي خسائر بقيمة تريليون دولار لأزمة 2008، رفعها لاحقًا إلى 1.3 تريليون دولار.
لسنا من دعاة نسخ الحلول، ولا لتكرار خطة «مارشال» وإنما للاستفادة من التجارب مع التأكيد على أن الشعور بالمسؤولية دائمًا ما يفتح آفاقًا جديدة. وإذا كان الهدف من الاقتصاد هو رفاه المجتمعات فإن الحلول للأزمات الحالية والقادمة يجب أن تراعي هذا المقصد، وأن تعتمد سياسات الحل على التنمية البشرية بالدرجة الأولى، كما ينبغي اتخاذ خطوات عملية لتنويع مصادر الدخل عبر تنويع الإنتاج وعدم الاعتماد على النفط، لكي لا نزعج الشيخ مستقبلًا بل نطمئنه بأفول الشر وانتهاء السالفة حتى مع نضوب النفط وغيابه «غير مأسوف عليه» بلا رجعة عن مشهدنا الاقتصادي.