معراج لذة القرب الإلهي، ح/4
الصلاة والدعاء مركبان وجناحان للعروج:
الحديث عن الصلاة، وأهمية تحصيل شرائطها الروحية، ودورها المعراجي في تحصيل لذة القرب الإلهي؛ لا يقل أهمية عن الحديث عن جانب الدعاء والأدعية الشريفة، خصوصًا، ونحن نعلم أنَّ ”قادتنا الهداة المعصومين ، وهم أعرف العارفين بالله وبشؤون الانسانية الخيرة قد تركوا لنا أضخم ثروة من كيفية الصلوات ومن الادعية والزيارات السامية التي صبت في أبلغ القوالب وأفصحها.“ [1]
ولهذا يقول السيد الإمام - قدِّس سره - مبيِّنًا أهمية هذه الأدعية المأثورة، والتمسك والعمل بها -: " كان من أعظم النعم على العباد والرحمة الواسعة في البلاد، الأدعية المأثورة من خزائن الوحي
والشريعة، وحملة العلم والحكمة؛ لأنّها الرابطة المعنوية بين الخالق والمخلوق، والحبل المتصل بين العاشق والمعشوق، والوسيلة للدخول في حصنه الحصين، والتمسك بالعروة الوثقى والحبل المتين. " [2]
ولذلك فإنّ ”أولئك الذين عرفوا وذاقوا لذة الدعاء وحلاوة الانقطاع من الخلق للخالق، لا يرجحون أي لذة عليها، إنّ الدعاء، في تلك اللحظات، يسمو إلى ذروة عزّته وعظمته ولذّته، ويغرق فيها الداعي بسعادة عامرة، حيث سيرى اللطف والمدد الإلهي الخاص، وآثار الاستجابة لدعائه في نفسه“ وألني حسن النظر فيما شكوتُ، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألتُ".
ولكن، لوعي وفهم هذه الرابطة المعنوية بين الخالق والمخلوق ينبغي أنْ نعلم أنّه - وكما يقول السيد الإمام - ”من المستبين عدم إمكان الوصول إلى هذا الغرض الأقصى والمقصد الأعلى، إلّا مع التوجه بقدر الاستطاعة إلى معناها، وبمقدار القدرة إلى سرّها ومغزاها.“ [3]
ولا شك أنّ هذه الأدعية المأثورة، تعظم أهميتها والحاجة إليها كغذاء وعلاج ”كلما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.“ [4] ، على حدّ تعبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر - قدِّس سره - في مقدمته وتقييمه للصحيفة السجادية، لإمامنا السجاد - صلوات الله وسلامه عليه - حيث يرى ”أنّ الصحيفة السجادية: تعبِّر عن عمل اجتماعي عظيم، كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام، إضافة إلى كونها تراثًا ربانيًا فريدًا، يظل على مر الدهور مصدر عطاء، ومشعل هداية، ومدرسة أخلاق وتهذيب.“ [4] ،
إلى أن يقول: ”وتظل الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي، وتزداد حاجةً كلما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.“ [5]
ولذلك يرى السيد الشهيد الصدر - قدِّس سره - أنّ الإمام السجاد - - قد أحسّ " بهذا الخطر وبدأ بعلاجه، واتخذ من الدعاء أساسًا لهذا العلاج.
وكانت الصحيفة السجادية... من نتائج ذلك.
فقد استطاع هذا الإمام العظيم [صلوات الله وسلامه عليه] بما أوتي من بلاغة فريدة، وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي، وذهنية ربانية تتفتق عن أروع المعاني وأدقها في تصوير صلة الإنسان بربه، ووجده بخالقه، وتعلقه بمبدئه ومعاده، وتجسيد ما يعبر عنه ذلك من قيم خلقية وحقوق وواجبات. " [6]
وينتهي الشهيد الصدر - قدِّس سره - قائلًا: ”أقول: قد استطاع الإمام «علي بن الحسين» بما أوتي من هذه المواهب، أن ينشر من خلال الدعاء جوًا روحيًا في المجتمع الإسلامي، يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشده إلى ربه حينما تجره الأرض إليها، وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحية؛ لكي يظل أمينًا عليها في عصر الغنى والثروة، كما كان أمينًا عليها، وهو يشد حجر المجاعة على بطنه.“ [7]