المفكر البليهي: التحضر والتقدم يعتمد على القابلية أو الرفض لأفكار الرواد
أكد المفكر إبراهيم البليهي على أن التقدم والتخلف لدى الأمم والمجتمعات يكمن في مدى القابلية للتغيير والاستمرار عليه، موضحا بأن هذا الأمر هو الفارق الأساس بيننا نحن العرب وبين الغربيين.
وبين أن في كل مجتمع يظهر رواد يخالفون السائد من الفكر، فالمجتمع المتحضر يستجيب لطروحات رواده، بعكس المجتمع المتخلف الذي يزداد تخلفا حتى مع ظهور أي فكرة ريادية رامية للتغيير.
وقال البليهي محاضرة بعنوان «التشكل التلقائي للعقل» عقدت أمس الجمعة بمنتدى حوار الحضارات بمنزل الإعلامي فؤاد نصر الله بمحافظة القطيف إن البشرية عاشت قرونا طويلة تعتقد بأن الإنسان يولد بعقل جوهري جاهز.
وأضاف ان الإنسان لا يولد بعقل جاهز وانما يولد بقابلية فارغة مفتوحة لأي تشكيل، فالعقول تتشكل بالبيئات التي ينشأ الانسان فيها، لذا لا يوجد اثنان تتشابه عقولهما تشابها كاملا، وكل فرد يختلف عقله عن عقول الأخرين، من هنا فليس غريبا أن يختلف الناس في طرائق تفكيرهم، وبالتالي سلوكياتهم اليومية.
وأشار الى إن كل فرد في هذا الكون هو عالم قائم بذاته، وإن معرفة الإنسان لطبيعته ومعرفة قابلياته ومعرفة مفتاح هذه القابليات هي أهم وأعظم ما يجب أن يهتم به وأن يتعمق فيه إلى أقصى حدود التعمق الممكنة، لأن وجوده مرتبط بهذه القابليات.
واوضح بأن الكثير من الناس لو عرفوا كيفية تشكيل عقولهم لما حدث التعصب الشديد والاختلافات التي تؤدي الى التنافر الذي أفسد الحياة البشرية، ذاك لأن كل فرد يعتقد بأنه قد اكتسب الحقيقة كاملا، وأنه على الصواب وغيره على الخطأ، وهذا هو الجهل بل الجهل المركب، فالأصل في الإنسان أنه جاهل ويبقى جاهلا حتى يتعلم، والعلم يتطلب الجهد والتعب.
وقال بأن الناس لو كانوا يعقلون ويفكرون تفكيرا مستقلا لما كانوا بهذه الشكل الآن، ثقافات متنافرة ومتناحرة والكل يرى نفسه انه على الحق وغيره على الباطل.
وذكر بأن الإنسان يتشكل عقله قبل أن ينبثق وعيه، فحواس الإنسان تنقل ما تشاهده في البيئة التي عاش فيها، فيتشكل هذا العقل بالأسبق دون أي غربلة، لذا تجد أن من طبيعة الإنسان يعتقد ويتحرك بموجب ما وصله أولا من أفكار ومعلومات، فمنها يتشكل عقله، وبطبيعة الحال يختلف الواحد عن الآخر.
وتابع لو ولد الواحد في بيئة مسلمة اصبح مسلما، ولو في بيئة كاثيولوكية اصبح كاثيولوكيا، ذلك بأن المجتمعات تتوارث وتعيش التناسل الثقافي فمن كان أبوه على ديانة معينة صار الأولاد على الديانة نفسها.
وأشار الى التناسل الثقافي الذي هو شبيه بالتناسل البيولوجي، والمجتمعات المتسامحة جاء متسامحة لأن المجتمع برمج على التسامح، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات المتزمتة.
وأكد البليهي إن كل الذي نراه من التطورات محدودة في مجال الوسائل والأدوات وبناء القوة والاقتصاد، وليست في مجال الأخلاق والفكر، ففي هذه الجوانب مازال الانسان بدائيا.
وأشار إلى أن المجتمعات المزدهرة لم تزدهر لأن المجتمع اصبح واعيا، وإنما جاءت بسبب اجتماع المؤسسات الذي أدى الى ما وصل اليه الانسان، فكل مجتمع يسير على مركبة باتجاه الازدهار أو باتجاه التقهقر والتخلف،.
وشدد على أن العلم ليس مؤثرا في الحضارات بل هو مؤثر في المجالات العملية المهنية وبناء القوة والقدرة، ولهذه العالم ازدهر في مجال الوسائل والقدرات ولكن في مجال الاخلاق الأفكار فالانسان مازال بدائيا لا يختلف عمن كانوا قبل عشرات القرون.
وبين ان بناء القدرات اشبه بقطرات اذا تراكمت أصبحت نهرا، والتراكم الكمي يؤدي الى كم هائل من الإمكانيات والقدرات، ولكنه في مجال الإيجابيات والأخلاق والأفكار لا يتغير شيء ففي أوروبا مثلا لا يختلفون عنا ابدا قد يختلفون في عدم التعصب لأنهم تربوا على ذلك في حين في المجتمعات المغلقة تبرمجت على انغلاقها وتعصبها، فالبيئة تصوغ سلوكيات الانسان.
ولفت البليهي في محاضرته التي شهدت حضور عدد من الفعاليات الدينية والاجتماعية والثقافية المحلية.. لفت إلى أن الأصل في المجتمعات أنها ترفض الفكر المغاير، ولا يمكن أن تتطور الأمم الا بتجاوز السائد وأخذ الفكر المغاير.
وقال ان التغيير يأتي بناء على الريادة ومن ثم الاستجابة لها، فلو جاء ريادي ولم يستجب المجتمع لطروحته فإن المجتمع سوف يبقى على حالة، ويحدث أن المجتمع في حال ظهور الريادي يزداد تخلفا، لأنه ينتج العديد من المضادات لفكر هذا الريادي، لذلك لا يوجد مفكر لم تتم مطاردته، ولا يوجد اختراع لم يتم نكرنه قبل التعود عليه.
وشدد على أن البشر بدون شك من القطيع، من يستطيع ان يخرج من هذا القطيع نادر جدا، ومن خلاله تتطور الحضارة، الحضارة لن تتطور الا من الذين ينعتقوا من اندفاع القطيع.