الجيل الخامس
أعلنت إحدى شركات الاتصالات المحلية مطلع هذا الأسبوع عن نجاح التجارب الفنية المتقدمة على تقنية الجيل الخامس لأول مرة على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأنها توصلت إلى مستويات عالية في سرعة الشبكة، حيث بلغت أكثر من 70 جيجا بت بالثانية، أي أسرع بمائة مرة من الجيل الرابع.
من المبكر الكلام عن دخول هذا الجيل إلى الخدمة كمنتج تجاري متاح للشركات والأفراد إذ تشير معظم التقديرات إلى أن تدشين خدمة الجيل الخامس ستكون في 2020، إلا أن التصريح الآنف يقود إلى طرح تساؤلات حول فعالية الخدمات الحالية التي تقدمها شركات الاتصالات، ومدى مساهمتها في التنمية الاقتصادية، ودورها في خلق مناخ اقتصادي جاذب للاستثمارات الخارجية، وما إذا كانت خدمة الجيل الرابع متوفرة بالفعل وتغطي جغرافية المستخدمين.
التصريح يتيح أيضًا فرصة الحديث عن أهمية وضع أداء شركات الاتصالات على طاولة المحاسبة، وبحث قدرتها على القيام بمهامها الأساسية، بعيدًا عن مجرد تحقيق الأرباح السنوية، التي بلغت خلال تسعة شهور من العام 2016 حوالي 7.5 مليار ريال، والوقوف على حقيقة إدراكها «بالفعل لا بالكلام» لأهمية القطاع في توفير بيئة مؤاتية للتنمية المستدامة التي تتمثل في التنمية الاقتصادية والنهوض الاجتماعي وحماية البيئة.
والحديث عن خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات يتعلق بثلاثة قطاعات لا يقل أحدها أهمية عن الآخر: الأول هو القطاع الحكومي، حيث يتطلب نجاح خططه التنموية توفير التقنيات الحديثة، ومواكبة المستجدات العالمية. والثاني: القطاع الخاص، وهو لا يقل أهمية إذ يُعد الشريك الأساس في تحقيق التنمية، والركن الثاني في التنمية الاقتصادية، وربما يكون أكثر حاجة لتقنيات المعلومات والاتصالات من القطاع العام لاعتبارات عدة قد نجد لتفصيلها وقتًا آخر.
أما القطاع الثالث فهو المجتمع بكل أفراده، وهو الشريحة الأوسع والمصدر الأكبر لدخل شركات الاتصالات، بل المستهلك الأكبر عالميًا لخدمات «يوتيوب»، فبعض الإحصاءات المتعلقة بعام 2012 تشير إلى أن أكثر من 70% من الأسر السعودية تنفق أكثر من نحو ألف ريال شهريا على فواتير الجوال والهاتف المنزلي، بل إن نحو 15% من مجموع هذه الأسر تنفق ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف ريال شهريًا على هذه الفواتير.
ورغم أهمية المستهلك العادي في تحقيق أرباح شركات الاتصالات إلا أن هذه الشريحة لا تحظى باهتمامها، ولهذا السبب تجد سمعة هذه الشركات في أدنى مراتبها، وهناك شعور لدى معظم الناس بأنها تمارس تجاههم النصب والاحتيال بمختلف الأساليب من أجل زيادة أرباحها. ولهذا السبب أيضًا فإن كثيرًا من عملائها يتداول التصريح الوارد في المقدمة باعتبارها طرفة لا أكثر بينما ينظر له البعض على أنه استفزاز جديد يضاف إلى سجل شركات الاتصالات السيئ.
ولوضع هذا القطاع أمام مسؤوليته فمن الضروري أن تتبنى الجهات المشرفة عليه منهجية لقياس مدى التزام شركاته بدورها في التنمية المستدامة، ومتابعة نتائجها، ودفعها لممارسة المسؤولية تجاه مختلف القطاعات، فما تحققه من أرباح ليست قليلة أبدًا. أما على صعيد العلاقة بالمجتمع، فلو تبنت هذه الجهات تصميم استفتاء لمعرفة مدى رضا المستهلكين عن شركات الاتصالات فأنها ستحصل على نسبة لن تتجاوز 20%.
وإذا كانت لدى القطاعين الحكومي والخاص أدوات يستطيعان بها محاسبة شركات الاتصالات والضغط عليها ونيل حقوقهما منها، فإن الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني ليس أمامهم سوى هيئة الاتصالات التي تقف عاجزة أمام سيل يومي من رسائل الاستياء والشكاوى، أو التعبير عن امتعاضهم من خلال الديوانيات ووسائل الإعلام فحسب.