ثقافة المصالح
العلاقات القائمة على المرتكزات المبدئية، تمثل انموذجا فريدا، في عالم يعج بتشابك المصالح، سواء الفردية او الدولية، حيث تمثل المصالح مبدأ ثابتا، في توطيد العلاقات بين الاطراف، بمعنى اخر، فان اهتزاز تلك المصالح، او اختفائها، يمثل بداية النهاية لتلك العلاقات.
المركز الاجتماعي، او الحكومي، يمثل مفتاحا لكسر جميع الاقفال المغلقة، فالمرء بمجرد جلوسه على كرسي المسؤولية، لا يجد صعوبة في اختراق الابواب الموصدة، فالجميع يحاول التقرب عبر تقديم المساعدة المجانية، مما يجعله محط اهتمام كبير، على مدار الساعة، بيد ان الامور تنقلب رأسا على عقب، فور ترجله عن كرسي المسؤول، فالاهتمام الزائد، يتحول الى نفور ومضايقة، فالمصباح السحري بات من الماضي، مما يفرض واقعا مغايرا تماما، في طريقة التعاطي، مع المحيط الاجتماعي.
الصداقة القائمة على ”الاخذ“، دون العطاء، تمثل ابرز مصاديق العلاقات «المصلحية»، فالبعض لا يجد غضاضة، في التقرب من الاخرين، في سبيل الحصول على بعض المكاسب المالية، وتحقيق بعض المصالح الشخصية، حيث يتحول الى وحش كاسر، بمجرد الوصول الى الهدف، او يتحول الى شخص مغاير تماما، بعد تحقيق المآرب الشخصية، فالعملية مرتبطة بمبدأ البيع والشراء، بالدرجة الاولى، حيث توضع جميع الاعتبارات الاخلاقية على الرف، فالحديث عن العلاقات المبدئية، يمثل ضربا من الجنون، او نوعا من انواع احلام اليقظة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
البعض يتخذ من العلاقات القائمة، بين الدول مسلكا في بناء الصداقات الاجتماعية، حيث ينقلب من الشمال الى اليمين، في لمحة بصر، دون وضع الاعتبار للتداعيات الناجمة، عن تلك التغييرات الجذرية، فالعملية مرهونة بمدى القدرة، على تحقيق المصالح الذاتية، بمعنى اخر، فان «المحرمات» الاجتماعية، والاخلاق الفاضلة، التي تجرم بعض الممارسات، ليست واردة في القواسم الشخصي، على الاطلاق، انطلاقا من قاعدة ”الغاية تبرر الوسيلة“.
التعاطي بثقافة المصالح، في العلاقات الاجتماعية، يمثل مرضا من الامراض البشرية، فهذه الممارسة مرتبطة بغياب المبادئ الاخلاقية، وسيطرة اللغة المادية، حيث يمثل مبدأ «الكرت الذي تربح به العب به»، احد ابرز ملامح هذه العلاقات الانسانية، في المجتمعات البشرية، الامر الذي يفسر حالة الغدر، والطعن من الخلف، في الكثير من الشراكات على مر العصور، اذ سرعان ما تنهار، بعض الشراكات القائمة على مبدأ المصلحة، بخلاف العلاقات المعتمدة على المبادئ الاخلاقية، فالأخيرة قادرة على الصمود، في وجه التيارات القوية، نظرا لامتلاكها قواعد راسخة، تمكنها من مقاومة التيارات الجارفة، الساعية لتغليب «المصلحة»، على «المبدأ».
منهج تغليب المصالح، قائم في علاقات الدول بعضها البعض، فالسياسة لا تعرف المبادئ على الاطلاق، اذ يتحول الصديق الى عدو بين ليلة وضحاها، فيما يصبح العدو الى حليف قوي، بمجرد اختلاف الظروف، فالجميع يتلمس التحولات الجذرية، في العلاقات القائمة بين الدول، بمعنى اخر، فان العلاقات بين الدول، تعتمد على مبدأ المصالح على اختلافها، فما يمثل اليوم عملا محرما يصبح غدا فعلا مباحا.