آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 10:38 م

ثقافة الاستفراد

محمد أحمد التاروتي *

الانعزالية، والاستفراد في القرارات، تحمل في طياتها، تداعيات سلبية، على الفرد نفسه، وعلى المحيط القريب، واحيانا على الكيان الاجتماعي، ”من استبد برأيه هلك“، خصوصا في حال كانت القرارات ذات صبغة اجتماعية، وتلامس الغالبية العظمى من الناس، الامر الذي يخلف كوارث آنية، واحيانا مستقبلية، الامر الذي يتطلب وضع الامور في نصابها، ومحاولة التريث، قبل اتخاذ القرار، فالتاريخ لا يرحم، فيما يتعلق بالقرارات المفصلية، بمعنى اخر، فان طريقة ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ تكون كارثية، على النطاق الجغرافي، لتلك القرارات الفردية، ”ما شقى عبد بمشورة“.

عملية الاستفراد، في اتخاذ القرارات المصيرية، تبدأ بشكل تدريجي، فهي لا تبرز بشكل مفاجئ، او الخروج للنور دون مقدمات، اذ تتحرك هذه الحالة، من خلال بعض المواقف الصغيرة، او الهامشية، بيد انها سرعان ما تكبر، وتتطور مع الزمن، لتصبح ممارسة يومية، خصوصا وان التمجيد والمديح، يمثل بيئة خصبة لنمو الاستفراد، لدى الفرد، ”لا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة“، الامر الذي يفسر النهي عن ممارسة المديح والتملق ”احثوا في وجوه المداحين التراب“، حيث يلعب المديح دورا كبيرا، في صناعة ”ابطال“، لا يملكون من الحق شيئا، باستثناء بعض الابواق، التي تمارس الكذب، والخداع، لتمرير القرارات ”الفردية“، التي تفتقر لمقومات نجاحها، او صمودها على ارض الواقع.

التاريخ، يتحدث عن قرارات ”قاتلة“، اتخذها قادة او حكام، دون دراسة تداعياتها السلبية، على البشرية جمعاء، اذ ساهمت الحالة الاستفرادية، المستحكمة لدى تلك الشخصيات، في ادخال المجتمعات البشرية، في اتون كوارث جماعية، فالحروب الطاحنة، التي اهلكت الحرث والنسل، في القرون الماضية، لم تكن في الغالب لاسباب منطقية او مبررة، بقدر ما كانت تهدف لتوسيع النفوذ السياسي، وفرض السيطرة على المجتمعات الاخرى، حيث استمرت تلك الحروب سنوات طويلة، واستنزفت المزيد من الميزانيات الضخمة، اذ يمكن اعتبار الحرب العالمية الثانية، ضمن الحروب ذات القرارات ”الفردية“، التي اتخذها هتلر في النصف الاول، من القرن المنصرم، فجنون العظمى والزعيم الاوحد، دفعه لادخال بلاده ”المانيا“، في حروب مع مختلف العالم، بيد ان النتيجة المأسوية لتلك الحرب، انعكست على ”المانيا“، التي ما تزال تعاني من ويلات، تلك الحرب الضروس، التي استمرت لسنوات عديدة، وطحنت نحو 6 ملايين نسمة، بخلاف الدمار الاقتصادي للبلدان، التي اكتوت بنيران المدافع، والطائرات انذاك.

القرارات الصائبة، تتطلب وضعها في الغالب، على طاولة التشريح والتميص، بحيث توضع جميع الاحتمالات، ودراسة كافة الخيارات المطروحة، بهدف تقليل الاثار السلبية، والخروج بنتائج ايجابية، تعود على البيئة الاجتماعية بالفائدة، والاطراف المشاركة، في صناعة تلك القرارات بالتقدير، ”من شاور الرجال شاركهم في عقولهم“ و”مَن أرادَ أمراً فشاوَرَ فيهِ امرءً مسلماً وفّقَهُ الله لأرشد أموره“

كاتب صحفي