قراءة لمقالة ”الناقد.. العقل الاستراتيجي للإبداع“ للأستاذ محمد الحميدي
تتناول المقالة موضوعًا بالغ الأهمية في المشهد الثقافي والأدبي، وهو دور الناقد في عملية الإبداع. يقدم الكاتب تصورًا شموليًا لمسيرة النقد الأدبي عبر العصور، بدءًا من المرحلة الذوقية، مرورًا بالمرحلة البلاغية، وصولًا إلى المرحلة الأكاديمية والحديثة.
الكاتب نجح في إبراز النقاط الجوهرية التي تميز كل مرحلة نقدية، مستشهدًا بأمثلة تاريخية وأدبية تثري طرحه. فتوظيفه لسوق عكاظ وخيمة النابغة مثال حيوي يعكس كيفية تشكُّل النقد الذوقي. كذلك، استدعاؤه لموقف النبي ﷺ من بيت لبيد بن ربيعة كان في غاية الذكاء، إذ يوضح كيف تسلّل النقد إلى أروقة الدين دون أن يتخذ النبي موقفًا نقديًا خالصًا.
أما انتقاله إلى النقد البلاغي، فقد استعرضه بسلاسة متكئًا على حقبة الخلفاء الراشدين، مُبرزًا تداخل الدين بالبلاغة في العصر الإسلامي المبكر. ومن ثم عرّج على المرحلة الأكاديمية، مُبرزًا التحول الذي طرأ على النقد بتحوله إلى مقاربة منهجية تعتمد على الدراسة والتحليل بعيدًا عن الذوق المجرد.
المقالة بلغت ذروتها الفكرية عند مناقشة الناقد الحديث والناقد العالمي، حيث أبدع الكاتب في تحليل مشهد النقد في العصر الرقمي وتحوّله إلى حالة أكثر انفتاحًا وأقل انضباطًا.
لغة المقالة جزلة وراقية، تميل إلى العمق والتكثيف في الطرح، ما يعكس ثقافة الكاتب الواسعة وتمكنه من الموضوع. إلا أن هذه اللغة كانت أحيانًا معقدة، ما قد يعيق فهم بعض القراء. ورغم أن الكاتب حرص على الاستشهاد بنماذج تاريخية وأدبية، فإن بعض الفقرات جاءت مشبعة بالمصطلحات الأكاديمية التي ربما تُنفّر القارئ غير المتخصص.
الأسلوب السردي في المقالة اتسم بالتماسك والترابط، إذ تنساب الأفكار بسلاسة من مرحلة نقدية إلى أخرى. غير أن المقالة افتقرت إلى استخدام عناوين فرعية تُعين القارئ على تنظيم أفكاره وفهم التسلسل الزمني للمراحل النقدية.
ما يميز المقالة هو الطرح غير التقليدي لموضوع النقد. فالكاتب استطاع تقديم رؤية نقدية تتجاوز مجرد السرد التاريخي، بل عمد إلى تحليل أبعاد النقد وأثره في تشكيل الذائقة الأدبية والمجتمع. كما أن ربطه بين ”موضة السيلفي“ والنقد الأدبي كان طرحًا جريئًا ومبتكرًا، يكشف عن وعي الكاتب بمتغيرات العصر وتأثيرها في الذهنية الثقافية.
ومع ذلك، فإن الربط بين ”السيلفي“ والنقد كان بحاجة إلى شرح أكثر إقناعًا، إذ لم يُظهر الكاتب بشكل كافٍ كيف يمكن لهذا التشبيه أن يخدم فكرته المركزية.
نقاط القوة:
• تسلسل تاريخي واضح ودقيق للمراحل النقدية.
• استشهادات غنية تدعم الفكرة المركزية.
• لغة قوية ومتمكنة تعبّر عن معرفة عميقة بالموضوع.
• قدرة الكاتب على ربط النقد الأدبي بواقعنا المعاصر.
نقاط الضعف:
• الإفراط في استخدام مصطلحات أكاديمية معقدة قد تصعّب الفهم على القارئ العادي.
• غياب تنظيم بصري داخل النص كاستخدام العناوين الفرعية.
• بعض الأفكار بحاجة إلى تفصيل أكثر، مثل علاقة ”السيلفي“ بالنقد الأدبي.
1. إضافة عناوين فرعية تتيح للقارئ التنقل بين المحاور بسهولة.
2. التخفيف من التعقيد اللغوي بما يحقق التوازن بين العمق والأسلوب الجاذب.
3. توضيح العلاقة بين فكرة ”السيلفي“ ومضمون المقالة بشكل أعمق.
4. تعزيز المقالة بأمثلة حديثة أكثر ارتباطًا بالنقد المعاصر.
إنَّ مقالة الأستاذ محمد الحميدي تُعد عملًا فكريًا رصينًا يضيء مسيرة النقد الأدبي بذكاء ووعي كبيرين. ورغم وجود بعض الثغرات، فإنها تظل مقالة قيّمة تستحق الإشادة، لا سيما بما تتسم به من عمق فكري وتناول جديد يضيف بُعدًا معاصرًا لفهم النقد في ضوء تحولات الثقافة الحديثة.