شخصية الآخر
تكوين فكرة عامة عن أبعاد شخصية الآخر ومن نتعامل معهم مهم جدا لمعرفة كيفية إدارة الحديث والعلاقة معهم، وهذا المسبار التقييمي يقوم على أسس ومعايير تتعلّق بجوانب الشخصية الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، ومن الخطأ الحكم على الآخرين بحسب المظاهر الخارجية القشرية أو الوقوع تحت أسر الوهلة والنظرة والكلمة الأولى، حيث ينخدع البعض بتكوين صورة وانطباع أولي سريع تحت ضغط الانبهار وسرعة التفاعل غير المدروس، والبناء الصائب والواقعي في تقييم الآخرين هو القائم على معدنهم وجوهرهم وما يحملونه من صفات وأخلاقيات، فعلينا التروي في إصدار الأحكام والتصورات وعدم التسرّع في الوقوع في فخ المظاهر الخارجية الخداعة، فالعلاقات الراسخة والناجحة تقوم على أساس الاحترام والتفاهم والنقاط المشتركة في التفكير والطموح، وهذا بالتأكيد لا ينبني على أساس المظهر الزائف من لقاء عابر أو كلمات معسولة أو ادعاءات شخصية قد لا يكون لها وجود في الواقع، فالتفاعل الحقيقي والعمل المشترك والتقارب أساسه فهم واقع الآخر في مختلف جوانب شخصيته.
ولذا من الخطأ تقييم شخصية الآخر ورصّ كلمات المدح والثناء عليه بناء على إشارات وأحاديث عابرة لا تظهر حقيقة ما يتحلّون به من صفات، بل التقييم الواقعي يندرج تحت قائمة التعامل والمواقف المتعددة التي يفوح منها حقيقة صفاته وسلوكياته، فهناك قلوب تخفي الكثير من مشاعرها السيئة وتختفي تحت جمال ما تتفوّه به ألسنتهم من كلمات قد تسحر البعض وتأخذ بمجامع قلبه وتبهره، فاللسان لا يظهر بشكل قاطع ولا يشكل مرآة لحقيقة النفس والمشاعر والصفات، ولذا ينبغي أن يكون الانطباع يعبّر عن تعامل وتفاعل معه في موارد مختلفة.
العمق والدقة في فهم شخصية الآخر تحتاج إلى حذر وتأن في فهم أفكار ومشاعر الآخر، إذ لا بد من أخذ الوقت الكافي في التقييم والتعرف على شخص الآخر وتسجيل النقاط الإيجابية أو السلبية والموازنة بينها، فكم من إنسان يتصف بالأنانية أو التكبر - مثلا - ولكنه يخفي ذلك وراء كلمات رنانة كالثقة بالذات والفروق الفردية والتميز بناء على القدرات العالية، فهذه المفردات والمفاهيم لها واقع حقيقي ولكنها لا تعني التعالي على الآخرين واستصغارهم والتهكم عليهم والتقليل من شأنهم، وفي المقابل قد يكون هناك من لا يمتلك لسانا يعبّر فيه عن أحاسيسه وأفكاره ولا يتفاعل كثيرا في الجلسات الحوارية، ولكنه يملك قلبا طيبا ونوايا صادقة، قد لا نكتشفها من أول حديث أو جلسة معه بل الأمر يحتاج إلى تعامل وتواصل مستمر لاكتشاف الحقائق والصفات.
التواصل والتفاعل مع الآخرين والاستماع لأفكارهم بناء على مواقفهم العملية، وإقامة العلاقات القوية والمثمرة يقوم على الدقة في فهم شخصية الآخر، وتجنب التقييمات السريعة المبنية على موقف عابر ولأول وهلة.