شهر رمضان أيام الحياة البسيطة
لا أظن أن زملاء الطفولة والصبا تغيب عنهم ذكرياتهم الجميلة في حيّنا الشعبي «الحوامي» في ليالي شهر رمضان المبارك أيام الطبيعة والجمال، فما أحلى أيامك يا شهر رمضان في ذاك الزمان! نطلع ”نهايل“ وننام في كل مكان في البر والبحر والمزارع كلها جميلة، ولا أحد يسألك ”وين رايح وليش جالس في هالمكان!“
ذكريات شهر رمضان المبارك أيام الحياة البسيطة في الزمن الجميل تحمل في طياتها قيمة إنسانية عميقة، حيث ترتبط غالبا بصفاء الروح بين الناس وبساطة العيش بعيدًا عن تعقيدات الحياة اليوم في زمن الإنترنت، هذه الذكريات تمثل مرحلة من الحس الروحي بين الإنسان ومحيطه، حيث كانت الروابط الاجتماعية أكثر دفئا، والقيم الإنسانية أكثر وضوحًا.
قبل أذان المغرب لآخر ليلة من شهر شعبان يفرح الناس في بلدتي جزيرة تاروت ويقصدون قصرها ”قصر تاروت“، ويصعد البعض إلى أعلاه لرؤية ذاك الوليد الذي يشبه قلامة الظفر الذي سيغير عاداتهم اليومية ويقلب نمط حياتهم رأساً على عقب من أول لحظة رؤيته، التي تستقبل بالتهليل والتكبير بقدوم الشهر الكريم شهر الخيرات والبركات، والجميع يهتف ”جانا رمضان أبو القرع والباذنجان“، ويبدأ السهر طول الليل إلى أن يأتي المسحر الذي يوقظ النائمين لتناول وجبة السحور استعدادًا للصيام.
المجالس الرمضانية لقراءة القرآن الكريم والأدعية الموروثة لآل البيت ، كانت من العادات المتوارثة في المجتمع القطيفي جيل بعد جيل، وما زالت تتربع على رأس السمات الاجتماعية التراثية العريقة وخاصة في الأحياء الشعبية، ولم تكن المسلسلات الرخيصة والهابطة في ذلك الزمان بهذا الشكل المزري كالذي نعيشه اليوم من مسخ وهبوط أخلاقي مريع في الدراما.
ما أجمل العادات الاجتماعية التي عشناها في شهر رمضان بين أحيائنا أيام الطفولة والصبا، كانت عادات وتقاليد افتقدناها اليوم، حيث البساطة في تبادل أطباق الطعام بين الجيران قبل الإفطار والتي كانت تقرب المسافة بين القلوب، ولها خصوصية في الشهر الفضيل، فالأمهات يرسلن أطفالهن عادة إلى بيوت الجيران حاملين معهم أطباقاً مثل: العصيدة أو الهريسة أو القيمات أو أي صنف من الأطباق المعروفة في الشهر الكريم.
آه يا شهر رمضان راحت أزمان كان بيننا الأهل والخلان واليوم بات يسكن بجوار منازلنا الأغراب! وعشعشت فوق شجر سدرك العطشان الكثير من الغربان، فما أجمل لذة البوح والعتاب بين الأصدقاء حينما نسير بين البساتين نقطف الثمار من فوق أشجار السدر والتين والأعناب، وأسراب الفراشات كلما لمحتنا غنت لنا وصفقت بأجنحتها أشكالاً وألوان، وتشدو لنا البلابل بأعذب الألحان.
مهلاً يا شهر رمضان صرت تمرنا على عجل! بعد ما راحة أيامنا الحلوة البسيطة الفيها يرتاح القلب، وبعد ما راحة طلعاتنا بين المزارع والنخل أوقات العصر، وبعد ما راحت جمعتنا في عين أم عريش إلى حين قرب أذان المغرب، وبعد ما راحت جمعة الناس في سوق تاروت ”إللي حلاوتها ما تنوصف“، صغار كنا عايشين بخير أرضنا والكل لابس ثوب المحبة لا حقد ولا كراهية ولا غيظ بالقلب.
وفي الختام: زمان مرّ وانتهى وراح وما ظني يعود! وين ذاك النخل راح وين طلعات العصر، وين خبز التنور أبو الريحة الحلوة اللي في السوق لهيبه منتشر، الله … راحت أيامنا الحلوة اللي كانت ويا الناس الطيبة فيها أجمل ذكريات العمر.