عدت عيدي
ما أسرع الزمن!
تطوي الأيام أعمارنا، ويلتهمنا الوقت التهاما، وعلى غفلة منا نجدنا على رصيف النهاية شبه غرباء إلا من ذاكرة بالكاد تذكرنا بما تخبئه أرواحنا من ملامح كانت لنا وأمست تشبهنا.
التغيرات الخارجية، وإن كانت طفيفة تبقى مشاكسات الروح كبيرة ومفارقاتها شاسعة وعميقة.
عندما نكبر نستسلم كلياً لإرادة الروح يملؤنا يقيناً أنها الخلاص والسلوى، هي العقل الراجح، القرار والمقر.
لم أكن سابقاً أقف كثيرا عند ذكرى مولدي لأجدني اليوم أولية أهمية وحيزاً من تفكيري وتأملي.
فيما مضى كنت أضع أهدافاً بسيطة لإنجازها قبل عيدي المقبل. أما اليوم فإني متفاجئة بكمية الأهداف المأمول إنجازها.
فأنا لم أعد شخصاً بعد.
أنا أم عمري آفاق أحلام أولادي الأبدي وروحي خلية كل فص بها يحيا ببقايا أنفاسهم.
أن تتحول الأنثى من شخص إلى أم أن هذا يعني أنها كانت فرداً وأصبحت أسرة، مجموعة في واحد. لم تعد مستقلة أصبحت اشتراكية حتى في أحلامها، طموحاتها، مخططاتها المستقبلية رغم أنها متيقنة أنه في القريب العاجل سوف يستقل الجميع عنها لتعود أنثى فرد، وقد تقلص كل شيء، وانكمش وحتى الأحلام شاخت والأمنيات هرمت.
فكرت لما الآن بعد هذا العمر اهتم لعيد مولدي أكثر بكثير من ذي قبل. فوجدت أنه لعلي أحاول ترميم أحلامي الآفلة، وأسعف أمنياتي الغافية على متن نجم الصبا بقبلة الحياة.
ولما لا...
أستطيع أن أستل نفسي من كينونة الأم التقليدية، أن أتمرد على نظام اتبعته طواعية، بل سننته لنفسي بكامل قواي العقلية ومطلق إرادتي.
نعم سوف انسلخ هذا العام من أنا تلك لأكون أنا بهيئة جديدة تنسجم وتتجانس مع أحلام تستيقظ بعد سبات طويل، فأنا التي طالما قلت إن الأحلام لا تشيخ، وأن الأمنيات دوماً ترفرف في سماء الحالمين والحياة هبة يحق لنا عيشها كما يحلو لنا إذ نحن محاسبون عليها إلى آخر نفس فيها.
عدت يا يوم مولدي محملاً بالحب والحلم الجميل.
عدت وعدت أنا من رحلتي الأولى أخط أولى صفحات عمري الجديد.
عدت وها أنا كما كنت دوماً امتطى صهوة الصمت بوحاً بربرياً غجري التعبير لعلي أعبر عن ما يعتري تلك الساكنة ذاتي فرحاً وحزناً وجنون التفكير.
عدت وأنت العيد والهدية الفك بعبير روحي، وأقدمك إلى شرايني وملجأ روحي وسنيني أسرتي فرداً فردا.