آخر تحديث: 1 / 4 / 2025م - 7:24 م

هل يمكن أن تكون القراءة ضارة؟

يوسف أحمد الحسن * صحيفة الجزيرة

ما أكثر فوائد القراءة وإيجابياتها! فهل يمكن أن تكون لها مضار وسلبيات أيضًا؟

قد يستغرب البعض طرح هذا السؤال في وقت نحن بحاجة إلى طرح الإيجابيات بقوة، والمبالغة في ذلك حتى نُحدث درجة ما من التوازن في علاقة الناس بالقراءة. والإجابة تكمن في أن هذا الطرح موجه إلى شريحة من الناس تأثرت أو قد تتأثر سلبًا بالقراءة.

فمن أبرز أضرار وسلبيات القراءة تعالِي القارئ على مجتمعه أو محيطه حين يقرأ عددًا من الكتب فيتصور بأنه قد بلغ منتهى العلم، وأنه أعلم من الناس الذين لا يفهمون شيئًا! وينعكس هذا التصور بالضرورة على تعامله معهم، وهو ما يُحدث أيضًا مع الوقت تأثيرًا معاكسًا حين ينفرون منه ولا يعود قادرًا على التأثير فيهم؛ فيحدث حينها الفراق بين الطرفين لتتكون في المجتمع ما يمكن تسميتها بالجزر الفردية والاجتماعية المتنافرة أو المتصادمة؛ فهو يراهم جهّالًا وهم يرونه متعاليًا.

وقد يرافق القراءة المتواصلة دون توازن درجة من الانعزالية؛ حين يزداد التصاق القارئ بالكتب فتصبح بديلًا عن علاقته بالناس، لتسجنه في أبراج عاجية تجعله لا يختلط بهم فتبقى معرفته بهم وبالواقع من بطون الكتب لا أكثر، وهو ما يمكن أن يشكل رؤية ضبابية ومشوشة وغير واقعية لديه عن الناس. كما أن الانعزالية قد تمنعه حتى من أداء مهامه الحياتية، إن على الصعيد الشخصي أو على الصعيدين العملي والاجتماعي، ولربما كانت سببًا في الهروب من مسؤولياته. أو أنها قد تدفع البعض إلى تجنب مواجهة المشكلات الشخصية والعملية بالانكباب على الكتب والغوص في القراءة كلما واجهته مشكلة.

كذلك فإن الإفراط في القراءة قد يؤدي إلى الجنوح نحو درجة من المثالية أو الخيالية في النظرة للأمور، فيتحول إلى شخص سوداوي لا يعجبه أي إنجاز، ولا يستمتع بأي أمر. كما أن المبالغة في قراءة المواد أو الأخبار السلبية قد تتسبب في حصول خوف لاواعٍ أو قلق مبالغ فيه مما يجري حوله. أعرف شخصًا قرأ عشرات الكتب والروايات حول عالم الجريمة والحروب والجاسوسية، حتى أصبح يشكك في كل ما يحصل حوله، وتضخمت لديه بعض الأفكار السلبية، وزاد اعتقاده بنظرية المؤامرة في جميع ما يجري.

وقد تُسبب القراءة المفرطة أمراضًا عديدة؛ كإجهاد أو ضعف العينين، وزيادة الوزن، وما قد يصاحب ذلك بمرور الزمن من أمراض ومعاناة في المفاصل والظهر وآلام في الرقبة وحتى في اليدين، ومن ثم ضعف عام تراكمي في الجسم نتيجة قلة الحركة.

ختامًا فإننا هنا لا ندعو إلى ترك القراءة، أو حتى التقليل منها، بل إلى التعامل معها بحكمة كافية، وإلى حسن اختيار ما نقرؤه، والموازنة بين القراءة وما سواها من مسؤوليات شخصية واجتماعية وعملية حتى تصبح القراءة مُعينًا لنا في مشوار حياتنا، لا نكالًا ووبالًا علينا.