مزالق القراءة الرغائبية
القراءة الرغائبية هي أن نقرأ حسب ما نريد وما نميل إليه من أفكار وتوجهات. هي مفيدة لأنها قراءة، لكنها تساهم في ترسيخ أفكارنا السابقة وتجعلنا مراوحين في مواقعنا الحالية دون أن نتزحزح عنها أو أن نفكر في تغييرها.
ويميل الناس عمومًا إلى قراءة الأفكار القريبة من أفكارهم؛ ربما حتى يريحوا ضمائرهم ويقنعوا أنفسهم بأنهم على الطريق السليم، وحتى لا يتعبوا في البحث عن طريق جديد. والسبب هو أن اختيار طريق جديد قد يعني فيما يعنيه ترك رفقاء سابقين وانتقاء آخرين بدلًا عنهم، وما قد يستتبعه ذلك من استحقاقات عديدة، وربما مسؤوليات جديدة وإقرار ضمني أو صريح بخطئهم السابق.
نحتاج أن نقرأ ما لا نرغب من أن أجل أن نرى أنفسنا في مرآة الآخرين وكيف ينظرون إلينا، أولًا، ثم ثانيًا لكي نعيد النظر إلى الآخرين من جديد وبطريقة مختلفة، كل هذا حتى نتأكد من مواقفنا ومن أننا على صواب في كل خطوة نخطوها. فإن طول النظر في أي أمر يجعل الناظر يألفه، ثم يزيده اعتقادًا بصحته، وهو ما يحصل لأكثر الناس الذين يولدون في بيئات معينة ويجدون آباءهم يدينون بدين معين مثلًا أو في توجه معين، وعندما يشبون ويكبرون يألفون ذلك الدين، ولا يستطيعون حتى مجرد التفكير في ما سواه. وهنا يأتي دور القراءة المغايرة، أو ما يسمى التفكير خارج الصندوق أو القراءة غير الرغائبية، التي تلفت نظر القارئ إلى أمور لم تكن تخطر بباله، وتكشف له جوانب كانت غامضة له، وربما بذلك انعطف نحو جانب مضيء أو حادَ عن جانب مظلم.
إن القراءة الرغائبية قد تقود إلى ما يسمى التفكير الرغائبي «Wishful thinking» الذي يعني التفكير «والتوصل إلى نتائج» بناء على رغبات وتمنيات بدلًا من التفكير استنادًا إلى الأدلة والوقائع. أما ما هو أنكى من ذلك كله فهو أن يقرأ أحدهم ما لا يرغب ثم يفهمه بما يرغب، أو يحوره إلى ما يرغب، مصداقًا لقول الشاعر:
أقول له عمرًا فيسمعه سعدًا *** ويكتبه حمدًا وينطقه زيدًا
أو أنها قد تبني للقارئ ما يشبه حائط الصد عن قبول قراءات مختلفة، حين يرضى القارئ من الغنيمة بالإياب.
ليست دعوة لتغيير المألوف أو التحول عن السائد والشذوذ عن الجماعة، بل لقراءة ما لا نحب قراءته أو ما قد يعاكس ما نهواه، ربما أعدنا تموضعنا في أي شأن أو اكتشفنا بذلك ما هو أصح مما نحن عليه، حتى في بعض الأمور التي قد نعدها هامشية أو جانبية، لكنها قد تشكل في مجموعها انعطافًا مهمًّا في حياتنا.