آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

لا يكن خروجك من بيت والديك نهائياً

سلمان العنكي

كتبتُ مقالاً بعنوان ”بيت أبيك يسعك دون إيجار“ تضمن توجيهًا ونصحًا للشباب بالبقاء مع الاستقلالية التامة بجوار الوالدين، خاصةً في سنيّ الزواج الأولى إن أمكن، لما فيه من ميزات إيجابية لصالح الطرفين ذكرتُها هناك. أحد القراء الأعزاء علّق على كلمة ”عقوق“ رافضًا بمداخلته ما بينتُهُ لأسباب قال إنها لا تناسب ما قلتُه بمقتضى حال زماننا، لا كسابقه، تتعدد المشكلات وبه يُحكم بفشله من بدايته. واردٌ له حق التعبير عن رأيه مع احترامي وإن خالفته، أخاله اشتبه وذهب بعيدًا عن المقصود لقراءته من زاوية ضيقة تاركًا الأوسع، لو عاد ربما غيّر ووافقني.

وإحدى المؤمنات الصالحات ذكرت أن لها قصة فيما يخص الموضوع نفسه، وما عانت لمدة طويلة في بيت العائلة. وهنا أوضح لهما معًا التالي:

أولاً: ما ذكرتُهُ مجرد فكرة تولدت عنها دعوة لمن توافقه، ليست هي وجوبية إلزامية، فإن تعسر تنفيذها دون إهمال فالعذر مقبول، ولكن لا يخرج دون عودة فلا عذر له حينها. نحن أمام مقترحات نسبية ما يرضي قليله هذا لا يقتنع بكثيره ذاك، وبقاء الزمان على حاله من المحال لا يقره عاقل، لا يمكن تطبيقه، نواجه متغيرات نفسية واقتصادية وعادات اجتماعية مختلفة عن آبائنا وأجدادنا.

كمثال، تزوجتُ في عام 1397 هـ وسكنت مع عائلتي في غرفة ضمن بيت صغير يضم خمسة عوائل: والديّ وثلاثة إخوان، وكان عددنا ثمانية وعشرين حتى عام 1411 هـ خرجتُ مستقلًا مع أطفالي السبعة: أربعة أولاد وثلاث بنات. لا أقول لم تحدث خلافات بين الأطفال وإشكاليات بين الزوجات - لأن الخدمات بسيطة ومشتركة - لكنها لم تتطور لعداوة. مع ذلك لو سُئلت اليوم عن العيش بتلك الطريقة لأجبت ”بألف لا“! ماضٍ صلح لوقته يستحيل العمل به في الحاضر، ضرره أكثر من نفعه. وكلامي غير المفهوم عند القارئ بأني أدعو للرجوع لتلك الحقبة أي إلى الوراء، وهو غير صحيح ويمكنه العودة للمقال والتمعن فيه أكثر.

ثانيًا: قلتُ إن ترك الوالدين وحيدين عقوق، أيها المعترض الكريم، هذه كلمة لها مواصفات متى انطبقت على الابن فهو عاق وإن كان مع أمه وأبيه مقيمًا. واقعنا مليء بهذا، بعيد بار وقريب عاق. الخلاصة: كل من أغضب أو خالف أو أحزن أو ترك والديه يصبح من العاقين وإن بدرجات متفاوتة. وهذا المقال عنونتُه بما يوافق ما أريد توضيحه، أيكون من البارين وقد خرج من عندهما بزوجته فنسيهما حتى من السلام، أو معهما لم يرَهما شهورًا؟ أهذا الوفاء؟ رضيت زوجته أم أبت؟ لها حقوق مستحدثة ولهما أكثر منها مُسبقة.

ثالثًا: المرأة الطيبة المصونة تقول إنها متزوجة في بيت العائلة من عشرين سنة، ولا تزال تُعامل أبوي زوجها بكل تقدير وإخلاص واحترام، صابرة محتسبة متحملة ما تلاقيه مراعاة لظروف زوجها وبره بهما، وفي نهاية المطاف لم تُعامل بالمثل من قِبلهما بما يجب، بل كانت القسوة سيدة الموقف. أنتِ حفظكِ الله من كل سوء، مثّلتِ الأخلاق لأنكِ رُبيتِ عليها، فنعم الزوجة أنتِ وأكرم.

كنتِ لزوجكِ عونًا، وحسنًا فعلتِ، توفيق من الله لا يناله إلا ذو حظ عظيم، لكِ الأجر والثواب، وعلى خير وإلى خير إن شاء الله، رُزقتِ بذرية حُرم كثيرون منها، لا لوم علينا إن تفانينا في بر والدينا بشرط ألا نخطئ الطريق، وبما نقلتِ هو بالفعل مُخطأ عن غير قصد بنية حسنة لعدم معرفته بالأحكام الشرعية، عليه أن يلتفت ويراعي مشاعركِ، لا يكن على حسابكِ، لكِ حقوقكِ الخاصة، هو مسؤول عنها كما هي حقوق والديه محاسب على التقصير في أدائها، لا يصلح بوفائه جانبًا ويفسد بجهله الآخر. ومسامحتكِ له قمة الجود والعفو من شيم الكرام، مهما تعرضتِ اجعلي له مبررًا ليُضاعف أجركِ، وما ضاقت إلا فرجت، وما يدريكِ هما درسان: أولهما لأبنائكِ يعاملونكِ غدًا كأبيهم لأبويه بأنصاف بعيدًا عن الظلم، والثاني لكِ لتنقي مسار الحياة الأسرية من الشوائب، وما تكرهين عند معاملتكِ لزوجاتهم فتكونين قدوة يحتذي بكِ الغير، تُصلحين أجيالاً بثقافتكِ المعتدلة، تنقلكِ من مُؤلمة إلى مُعلِمة. فلا تضيعي في أيام قليلة كنزًا ثمينًا جمعتيه خلال سنواتٍ مرت من عمركِ فتندمي، حافظي عليه وزيدي منه تفلحي.