الأداء الضعيف هل هو مشكلة فردية أم ثقافة عمل؟
تخيل أنك تعمل بجدّ متواصل في إحدى الشركات أو المؤسسات الخاصة، سواء كانت ربحية أو غير ربحية، وتبذل فيها كل قصارى جهدك واجتهادك، ولكن قيادة شركتك أو قيادة مؤسستك الخاصة لا تحقق لك أدنى الطموحات المطلوبة كزيادة في الأجر أو الرضا الوظيفي أو التدريب أو التطوير المهني أو حتى التحفيز المعنوي، فهل يُعزى السبب لضعف الأداء الفرد أم لثقافة العمل نفسها؟ وهل يمكن أن يكون الأداء الضعيف أعمق من مجرد خلل في مهارات الأفراد، بحيث لا يرتبط بجوهر البيئة القيادية التي يعيش فيها.
إننا في كثيرٍ من الأحيان نسمع عن ضعف الأداء كحالة فردية في الغالب، ولم نسمع عن ضعف الأداء كثقافة عمل أو كلاهما معاً، وماذا لو كان القيادة وثقافة العمل هما العاملان الخفيان وراء هذا الأداء؟
إن كشف الستار عن هذه التساؤلات قد يقودنا إلى إعادة التفكير في كيفية إدارة المؤسسات، وكيف تشكّل القيادة، والثقافة المؤسسية مستقبل النجاح، ولذلك دعونا أيها الأحبة نبحث سوياً: هل مشكلة الأداء الضعيف أو المنخفض تكمن في الأفراد، أم في القيادة والثقافة المؤسسية التي تؤثر عليهم؟ وهذا ما سنناقشه في هذا المقال باختصار بإذن الله تعالى.
الأداء الضعيف هو مصطلح يعبر عن انخفاض كفاءة وفعالية الأفراد أو الفرق في أداء مهامهم وتحقيق الأهداف المطلوبة منهم، ويعني ذلك عدم الوصول إلى المستوى المتوقع من النتائج أو الأداء المهني المطلوب، والذي قد يتجلى بوضوح في تدني الإنتاجية، وارتفاع الأخطاء، وضعف الالتزام بالمعايير والجداول الزمنية وغير ذلك… مما قد يؤثر سلباً على جودة العمل ورضا العملاء.
وهنا يبرز التساؤل المهم وهو:
هل يرتبط هذا الأداء بالموظف كفرد أو بكونه جزءاً من ثقافة العمل داخل المؤسسة أو الشركة؟
الدراسات والأبحاث حول ضعف الأداء تشير إلى أن المشكلة غالباً ما تكون معقدة، ومتعددة الأبعاد، حيث تنشأ عن عوامل فردية، وعوامل خاصة بثقافة المؤسسة داخل بيئة العمل.
فالعوامل الفردية كما تشير الدراسات تتمثل في نقص التدريب، وعدم التوافق الوظيفي، وفي انخفاض التحفيز، وو… وهذا ما يؤثر بشكل كبير على الأداء، وفقاً للدراسة التي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية، حيث وجدت أن الموظفين الذين يشعرون بأنهم مؤهلون، ولديهم فرص للتدريب يميلون إلى الأداء بشكل أفضل من غيرهم، وفي دراسة أخرى من مجلة الأعمال والإدارة أشارت إلى أن ضعف الأداء ينتقل بسهولة بين الموظفين، فإذا كان هناك موظفون يعانون من ضعف الأداء، فإن تأثيرهم قد يمتد إلى زملائهم؛ مما يؤدي إلى تراجع عام في الإنتاجية.
ومن الأمثلة على ذلك الموظف الجديد الذي يتم تعيينه بدون تدريب كاف، أو الموظف غير المهتم بالعمل سواء؛ بسبب غياب التحفيز أو الشعور بأنه مغلوب على أمره، مثل موظف خدمة العملاء الذي يمارس عمله بدون نفس، أو يتجاهل الأسئلة وما إلى هنالك… أو الموظف الذي يعاني من مشاكل في حياته الشخصية مثل الضغط العائلي أو المشاكل المالية التي تؤثر على تركيزه وأدائه في العمل.
أما عن العوامل الثقافية داخل المؤسسة، فقد أشارت الدراسات مثل تقرير ما كينز حول الإنتاجية أن الثقافة التنظيمية التي لا تُشجع على التميز، وتفتقر إلى الشفافية والمساءلة تُسهم في انتشار الأداء الضعيف، حيث وُجد أن الشركات التي لا تمتلك آليات واضحة للتقييم والمتابعة تميل لأن تعاني من مستويات أداء منخفضة مقارنة بالشركات التي تضع نظاماً متيناً للتقييم وتقديم التغذية الراجعة، ومن أمثلة ذلك:
التساهل في الإنجازات من قبل المدير، حيث يلاحظ الموظفون بأن مديرهم غير مهتم بمتابعة الإنجازات، ولا يعاقب على التقصير، وحسب العبارة المشهورة ”إذا ما حد يهتم ليش أتعب نفسي“.
ومن الأمثلة كذلك غياب التحفيز والتقدير، والروتين والجمود، والمحاباة في الترقيات والتقدير وما إلى هنالك.
تخيل نفسك في مكان عمل يشجع على الابتكار، ويحفزك على الإبداع، ويمنحك الفرصة للتطور، والنمو و… أليس هذا يشعرك بالحماس لتقديم أفضل ما لديك؟ والعكس هو الصحيح.
فالثقافة لا تقتصر على اللوائح والسياسات المكتوبة كما يظن البعض، بل هي شعور يومي يعيشه كل موظف في مؤسسته، فإذا كانت الثقافة صحية فإنها ترفع من معنويات الموظفين، وإذا كانت الثقافة سلبية، فإنها تجعل الأداء في تراجع مستمر، ولعل من أبرز تجلياتها التحفيز والإنتاجية كشركة ”جوجل“ التي تدفع الموظفين للتفكير خارج الصندوق مع توفير بيئة تحفزهم على الإبداع، والشفافية والثقة كشركة ”زووم“ التي تسمح للموظفين بالتحدث عن مشكلاتهم، وأفكارهم بحرية، والبيئة الاجتماعية والعلاقات بين الموظفين كشركة ”مايكروسوفت“ التي تشجع على التعاون، والتواصل بين الزملاء.
ودور القيادة والإدارة كشركة ”نستله“ حيث تتبنى القيادة سياسة دعم الموظفين مما يخلق بيئة عمل محفزة، وما إلى هنالك. ولذلك فإن ثقافة المؤسسة في رأيي كمتابع في الشأن الإداري هي الأساس الذي يبنى عليه الأداء في أي مؤسسة.
لنفترض أن ”س“ من المؤسسات أو الشركات الخاصة لديها موظف أو فريق أداؤه ضعيف، أو لربما كان لديه عادة تأجيل إنجاز المهام، أو المماطلة في أداء المهام، أو مبدد للوقت، أو لا يشعر بالارتياح بالعمل بالمؤسسة، أو ليس لديه رغبة في العمل أو … إلى ما هنالك.. فهل ستعمل على تحسين أدائه إلى الأفضل، أم ستكتفي بتسريحه لتستبدل به آخر كما يفعل العديد من المدراء في المؤسسات أو الشركات الخاصة؟
إنني أعتقد أن الحل الصحيح أيها المدير أن تأخذ الوقت الكافي لتقييم نهجك الإداري، وثقافة المنظمة التي تتبناها وأن تقوم بتقييم الموظف ودوره الوظيفي تقيماً شاملاً وعادلاً وبعد ذلك تقوم بتطوير استراتيجية وخطة عمل لتحويل صاحب الأداء الضعيف إلى شخص مُحفز ذاتياً وفعّال وصاحب إنجاز، وبالطبع إذا كان من غير الممكن تحقيق هذا فإن الهدية الألطف التي يمكن أن تقدمها لهذا الموظف هي أن تمنحه الحرية ليبحث عن وظيفة أخرى في مكان آخر تتناسب مع قدراته، أما إذا قررت أنه بالإمكان تطوير أدائه فما عليك سوى أن تدربه، وتُتابعه، وتُكافئه.
إن الأداء المتميز في بيئات العمل لا يُبنى بمجهودات فردية فقط، بل ينبع من ثقافة عميقة تتبناها المنظمة، وتعززها على جميع المستويات، فالأداء الضعيف ليس مشكلة تخص الفرد وحده دون غيره، بل غالباً ما تكون انعكاساً لمجموعة من العوامل المتداخلة التي تشمل البيئة التنظيمية، وآليات القيادة، وأساليب التحفيز، وإجراءات التقييم والتطوير كما أظهرت العديد من الدراسات، إلى جانب ذلك، تحتاج القيادات في المؤسسات أو الشركات أو الهيئات الخاصة إلى أن تصبح قدوة تحتذى، فالقيادات الفعّالة لا تقتصر أدوارها على التوجيه والإرشاد الأكاديمي أو المهني فقط بل أن تلهم الفريق، وتشجع على الابتكار، وتحتفل بالإنجازات وما إلى هنالك، وعند تحقيق هذا التكامل بين الأفراد والقيادة، وبيئة العمل تتكون ثقافة الأداء العالي، وترتقي بالجميع إلى مستويات جديدة، وبهذا النهج تتحول المنظمة إلى بيئة ديناميكية تتسم بروح الفريق والإبداع، حيث يصبح الأداء المتميز هو القاعدة، والإنجاز الاستثنائي هو الهدف الدائم.