آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الصُّندوق الثَّقافي.. طموحاتٌ واعِدة ومستقبلٌ مشرِق

محمد الحميدي مجلة اليمامة

طموحاتٌ واعدةٌ

يحضرُ الصندوق الثقافي كأحدِ الداعمين الكبار، لمشاريع وزارةِ الثقافة بقطاعاتها الستة عشر؛ ليكون مؤثراً في المشهدِ من جميع جوانبه، بداية من صناعة الكتابة، وصولاً إلى استقطاب الكفاءات، وليسَ انتهاء بفتح الباب أمام المنشآت الصغيرةِ والمتوسطة؛ للمشاركة في رفد البلد بما تحتاجُ إليه من مشاريع تنموية ثقافية وسياحية، كإنشاء دُور السينما والتركيز على صناعة الأفلام، أو العناية بالمطبخ والأزياء والعمارة، أو دعم الكتَّاب ودُور النشر وما يرتبط بها، من صناعة الورق والصفِّ والإخراج والطباعة والتوزيع.

الدورُ الكبير الذي يقوم به الصندوق يستهدف تطوير المشهدِ السعودي، إذ يعمل على تقديمِ الدعم المادي والمعنوي والاستشاري للأفراد والمنشآت؛ حول كيفيَّة اختيار المشاريع وإدارتها وتجاوز المعوقات والصُّعوبات التي تصادفها، فتأثيره يتجاوز مجرد الحصُول على الدعم إلى المتابعة والاهتمامِ بالمنجزات، مثل تسهيل الحصول على التراخِيص وإنهاء الإجراءات وإصدارِ البيانات ودراساتِ الجدوى.

السوقُ الثقافي السعودي يتميز بحجمه الكبير القادر على استيعابِ الكثير من المشاريع والأفكار، ومهمَّة الصندوق إنجاح المشاريع وتحويل الأفكار إلى حقائق واقعيَّة، وهذا ما عمل عليه منذُ إنشائه، فقسَّم الدعم ليشمل ثلاثة جوانب: التحفيز والضمانات وتمويل قطاع الأفلام، حيثُ يختلف الدعم باختلاف نوع المشروع، إذ المشاريع المتعلِّقة بإنتاج الأفلام يزداد دعمها لارتفاعِ تكلفتها كونها لا تمتلك بنية تحتية، بينما المشاريع المتعلِّقة بالطباعة والنشر يقل دعمها وإن ارتفعت تكلفتها كونها تمتلكُ بنية تحتية، وهذا هو سببُ تفاوت الدعم المقدم إلى القطاعات، لأن الهدفَ يتمثل بتنميتها وتنشيطها على نحوٍ متساوي.

قطاعُ الأفلامِ من القطاعات الواعدةِ في السوق السعودي، والاهتمامُ به يأتي من حداثة ظهوره وقوة تأثيره، وكذلك من الرَّغبة في تقليص الفجوة الواسعة بينَ المملكة ومحيطها، إذ السينما المصرية والسورية والتركية والخليجية لها نصيب واسع في سُوق المشاهدات، حيث يزداد متابعوها كلَّ عام، لذلك رغبة المنافسة وتصدير الأفلام والمسلسلاتِ إلى شاشات تلك الدول، يدخلُ ضمن اهتمامات وزارة الثقافة؛ لما يحتوي من تأثير وقوَّة ناعمة، تستخدمها المملكة في رسم صورة إيجابيَّة تجعلها أكثر جاذبية ومقبولية للزيارة السياحيَّة والثقافية، فإحدى أهم أهدافها رفع نِسَب السياحة الداخلية والخارجية.

الاستضافاتُ والفعالياتُ والمهرجاناتُ والملتقياتُ والمسابقاتُ ومعتزلاتُ الكتابة والسياحةُ الثقافية، جميعها تنمو داخل المملكة بسرعةٍ كبيرة، مشكِّلة علاقات ثقافيَّة بينها وبين مختلف الدول، فبرنامج «ترجم» هدفه مد جسُور التواصل بين الثقافة السعودية وثقافاتِ العالم، وهو ما يسمحُ بممارسة التأثير على رأي الأشخاصِ في تلك الثقافات، الأمر الذي يؤدي إلى نقل صورةٍ مشرقة عن المملكة، تخرجها من الاعتياديَّة النمطية إلى العصرية المتجددة، إضافة إلى مساهمته بتعريفِ العالم بأدبها وثقافتها وتراثها الضارب في أعماقِ التاريخ.

كذلك برنامجُ «المعتزلات الثقافية» يهدفُ إلى تعريف المشاركين بتنوع ثقافة المملكة واختلافِ تراثها وثراء مناطقها، كما يعملُ على تجسِير الفجوة بين المثقفين، وتسهيل عمليات التواصل وإقامة العلاقاتِ بينهم، بما يسهم في دفع عجلة الإبداع والإنجاز، وهذان البرنامجان المدعومان مباشرة من وزارة الثقافة يتقاطعان مع أهدافِ الصندوق الثقافي الساعي إلى تحسين جودة الحياة، الأمر الذي يرفع سقفَ طموحاته ويضاعف مسؤولياته، وهو ما يمكن رؤيته في صُورة المملكة الآخذة بالتغيُّر الإيجابي.

مستقبلٌ مشرقٌ

صورةٌ متغيِّرة وآخذة في الاختلاف ترسمها المملكة لمستقبلها، تعتمدُ في نشرها على العمل الثقافي المدعومِ من الصندوق، حيث تتعاظم أهميته بمرو الوقت، إذ العملُ الثقافي لا يظهر أثره مباشرة بل يتدرَّج في الظهور ويحتاج وقتاً طويلاً ربما سنواتٍ وعقود؛ لذا فإن المملكة بدعمها للمنشآتِ والأفراد في القطاعين الخاص وغير الربحي تعملُ على تسريع التغيير، مثل دعمها مبادرةِ «مئة كتاب» التابعة لدار أدب للنشر والتوزيع، التي تهدفُ إلى التعريف بأدب وثقافة المملكة واختيار ما يمثِّل وجهها المشرق، وهو ما ينطبقُ على «بودكاست فنجان» التابع لشركة ثمانية بتوجهاتها الثقافية الساعية لتقديمِ صورة مختلفة عن الإنسانِ السعودي.

التغيُّرات الكبرى في المملكة تضعُ الصندوق الثقافي أمام مسؤوليات عديدة تنمو بنمو السوق، حيث الدعمُ الذي يرصده يُسهم في رفع مستوى المبدعينِ والمشتغلين، ويفتحُ أمامهم الكثير من الفرص، كما يساعدُ في انتشار الثقافة السعودية وتكريسها كمؤثرٍ على مستوى الداخل والخارج؛ ما يعني مسؤولياتٍ إضافية تتعلق باختيار الأشخاص، وكيفيَّة إظهارهم لتراث المملكة وتنوعها وغناها، ثم صبِّ ذلك جميعه في نهر الثقافة السعودية، الذي يجمعُ الاختلافات ويصهرها ضمن وطن واحد متجدد بأبنائه وثقافته.

تفرضُ التغيرات الكبرى العديد من الأسئلة، تبدأُ من كيفية مقاربة هذه التغيرات والمستجدات وتوظيفها والاستفادةِ منها، وصولاً إلى التساؤل حول مصاعبها ومناسبتها أو عدم مناسبتها لثقافةِ المجتمع، وهو ما يعني الاختيارَ من بين الأطروحات الموجودة، فالصندوقُ وإن امتلك الدعمَ المادي والاستشاري إلا أنه دعم محدودٌ وموجه نحو قطاعات محددة، وهذ ما يتسبَّب بحرمان بعضها؛ نتيجةَ محاولة إحداث توازن بينها، فالمشاريعُ التي لا تمتلك بنية تحتيةٍ ستحتاج دعماً أعلى، بينما المشاريع التي تمتلك بنية تحتية ستحتاج دعماً أقل، وهذا التفاوتُ يبرز الحاجة إلى عمل شراكات مع القطاعين الخاص وغير الربحي؛ من أجل توفيرِ مستلزمات ومتطلبات كل قطاع.

ثمَّة اقتراح يتعلق بالحلول التمويلية والاستشارية للقطاعات الثقافية؛ يتمثَّل في إنشاء شراكة استراتيجية بين الصندوقِ وهيئة مستقلة يمكن تسميتُها «هيئة المشاريع الثقافية»، تتولى دراسة المشاريعِ والأفكار المقدمة ذات الجدوى الاقتصادية؛ لاعتمادِ الصالح منها ودعمه وتنفيذه، وهكذا تتسع مظلة الصندوق لتشملَ القطاعات الستة عشر، كما تشملُ الممارسين للعمل الثقافي والإبداعي والمرتبطين بهم.

للصندوق دورٌ بارز في دفع الحركة داخل المملكة، فالطموحاتُ الكبرى التي يحملها جعلته حريصاً على تأدية دوره، وهو ما يمكنُ تلمُّسه من رفده للمشهد بما يحتاجُ من دعم مادي واستشاري وخدمي، أبرزَ بصمته في إثراء الساحة عبر تنفيذ أعمالٍ تركت أثرها في الثقافة والمجتمع، ويبقى الطموحُ أن يواصل دوره وتزداد شراكاته معَ القطاعين الخاص وغير الربحي؛ لإنجاز المزيد من الأعمالِ الهادفة إلى رفع جودة الحياة والمساهمة بتحقيقِ رؤية المملكة 2030م.

- - - - - - -

دار «أدب» عن تجربتها مع «الصندوق»: لم نواجه تحديات..وهذه نصيحتنا للمشاريع الجديدة.

من أبرز المشاريع المدعومة من الصندوق الثقافي تبرز مبادرة «100 كتاب» من دار أدب للنشر والتوزيع، والتي حظيت بترحيب الوسط الثقافي وحققت طموحات عدد من المؤلفين السعوديين.

في إطار تسليط الضوء على دور الصندوق الثقافي في دعم المشاريع الثقافية، أجرى الملحق حوارًا عبر البريد الالكتروني مع الدار حول تجربتها في الحصول على الدعم المقدم من الصندوق. وقد تحدثت «أدب» عن تجربة مميزة وسلسة، حيث أبدت إعجابها بإجراءات الصندوق الدقيقة والواضحة. أوضحت الدار أن الدعم المقدم من الصندوق لم يقتصر على الجوانب المالية فقط، بل شمل أيضًا الاستشارات، المتابعة، والتسويق، مما ساهم في تحقيق إنجاز مشروع «100 كتاب» خلال فترة وجيزة وبأصداء واسعة. ورغم أن الدار لم تواجه تحديات كبيرة خلال عملية التقديم، إلا أنها أعربت عن تقديرها للدعم المستمر من الصندوق، وقدمت نصائح للمشاريع الأخرى بضرورة الالتزام بالإجراءات والتعاون مع منظومة العمل لتحقيق أفضل النتائج. وهنا نص الحوار:

تجربة مميزة

*كيف كانت تجربتكم في الحصول على دعم الصندوق الثقافي؟ هل كانت العملية واضحة وسلسة؟

- كانت تجربة مميزة ورائعة.. والصندوق الثقافي يقدم إيضاحات مفصلة للعمل وإجراءات حوكمة دقيقة وعالية يفهمها المتقدم ويعمل بموجبها

*ما هي التحديات التي واجهتموها خلال عملية التقديم؟ وكيف ساعدكم الصندوق في تجاوزها؟

- لم يكن هناك تحديات.. كل ما تود عمله ستجد الصندوق يقدم لك الدعم والتوضيح.

*كيف ساهم الدعم المالي أو غير المالي من الصندوق في تطوير مشروعكم؟

- الدعم حقق إنجاز المشروع كاملا في فترة وجيزة وحقق أصداء واسعة وقد تفضلتم في مجلة اليمامة بتغطية بعضها.

*بخلاف الدعم المالي، هل يقدم لكم الصندوق الاستشارات ويتيح مجالات التدريب؟ وهل هناك مجالات كنتم تأملون في الحصول على دعم أكبر فيها؟

- كل دعم تحتاجه المؤسسة يسعى الصندوق لتقديمه في الاستشارات في الإجراءات في عمليات المتابعة والحوكمة والتسويق.

*بناءً على تجربتكم، ما هي النصائح التي توجهونها للمشاريع الأخرى التي تفكر في التقدم للحصول على دعم الصندوق؟

- اتباع الإجراءات والخطوات التي يطلبها الصندوق بدقة والالتزام بها والتعاون مع منظومة العمل.

*هل ترون أن هناك جوانب معينة يمكن للصندوق تحسينها في المستقبل؟ وما هي اقتراحاتكم؟

- الصندوق في سباق مع الزمن ونحن من طورنا العمل بفضل توجيهاتهم واستشاراتهم.

*كيف تقيمون تأثير دعم الصندوق على مشروعكم بشكل عام وعلى القطاع الثقافي في المملكة بشكل أوسع؟

- لا شك أنه أثر كبير ليس لمشروع «100 كتاب» بل لكل المشاريع التي دعمها الصندوق وللوسط الثقافي.