الحزن في فكر الشعوب
في إحصائية نشرت على موقع «غالوب العالمي للمشاعر» لعام 2023 وفي استطلاع شمل 147 ألف مقابلة مع أشخاص بالغين، في 147 دولة ومنطقة أجريت معهم، وجدت الكثير من الأرقام التي تشير إلى تذبذب نسب التوتر والحزن بين الشعوب والدول، إذ احتلت أفغانستان الدرجة الأقل من بين الدول في المشاعر السلبية حين حصلت على 34 درجة فقط من 100، وذلك بعد مرور عام من عودة طالبان إلى السلطة، وفيما احتلت دول عربية أخرى درجات متدنية في مؤشرات الحزن والسلبية كلبنان 46 واليمن 56 وتونس 57، هذه الدرجات إنما هي مؤشر إلى كمية الحزن التي تعصف بالشعوب لأسباب عديدة ومختلفة، ومنذ أن خلق الله تعالى آدم وحواء «عليهما السلام» ظهرت أولى إشارات الحزن وذلك بالندم على عدم الالتزام بتعاليمه - عز وجل - حين طلب منهما عدم الاقتراب من تلك الشجرة التي نهاهم عنها، وما الندم إلا من دلائل الحزن، وحتى يومنا هذا هناك الكثير من العلامات والدلائل تورث الحزن وتظهره، ولكن اختلفت الناس والشعوب مع اختلاف ثقافاتهم ومجتمعاتهم، في إظهار هذا الحزن حتى أن بعضها قد بالغ في سمات ظهوره، وبالرغم من أن الحزن هو ذو معنى واحد كما يعرفه علماء النفس وهو بأنه: ألم نفسي يوصف بالشعور بالبؤس والعجز، وله من التعاريف الكثيرة وإن اختلفت، ولكن يبقى مفهومه واحد وهو «عكس الفرح».
حزنت الشعوب منذ الخليقة حيث الحروب الطاحنة والأوجاع بالغدر والرذيلة وامتدت الصراعات التي خلفت الكثير من الألم في صور شتى، ففي عام 2016 عندما طالت رسائل الإرهاب معظم دول العالم وراح ضحيته الكثيرون، عبرت الدول بطرق مختلفة حزنا على ضحاياها وتقديرا لها، فمنهم من قدم الورود والمسيرات والصور التذكارية كفرنسا، ومنهم من خرج في مسيرات صامتة ونثر الورد في الشوارع، كتركيا، ومنهم خرج بلافتات حمراء وورد بيضاء وصفراء معبرا بها عن استنكاره وحزنه على ضحاياه كما فعلت جاكرتا بإندونيسيا.
وحين نعرج على بعض الشعوب الخاصة كالشيعة في كل أنحاء العام نجد الحزن لديهم يتسم بسمات خاصة إذ يتخذون من اللون الأسود وشاحا لهم وسمة يتسمون بها تعبيرا عن حزنهم الشديد لما جرى على الحسين بن علي ابن بنت رسول الله ﷺ والذي قتل في عام 61 من الهجرة. وبالرغم من مرور كل هذه السنوات، ما يزال أبناء الشيعة يحيون هذه الذكرى ويخلدون فيها القيم الإيمانية التي توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، فيلبسون الملابس السوداء من اليوم الأول إلى العاشر من محرم كل عام، ويكسون منازلهم أيضا بالأوشحة السوداء ذات العبارات الحزينة والتي ترثي مقتل الحسين ، ويكون البكاء هو السمة الثانية والتي يعبرون بها عن الألم لما أصاب أهل بيت النبوة في حادثة الطف المعروفة تاريخيا، فيكون للحزن لونان لديهم، «السواد والبكاء».
وقد يختلف طريقة إظهار الناس للبكاء على أي ما كان، إلا أنه السمة الوحيدة التي تذرف معه الدموع.
وفي تحليلات نفسية طبية: تصف البكاء بأنه تنفيس عن الحزن والكآبة، وأنه ممن يحد من الضغوط الناشئة من العقد المتراكمة في باطن الإنسان، وهو علاج لأكثر آلامه ومعاناته الباطنية؛ لما لدمع العين من آثار صحية ونفسية على الروح والجسد، لذا نجد أن الحزن سلاح ذو حدين، فمن ترك نفسه للهموم والانغماس في الحزن، قد يورث له الأمراض الجسدية والروحية، ومن يستخدم الحزن والبكاء للتنفيس من الضغوطات، أو لإحياء ذكرى مؤلمة، فقد يكون قد أخرج ما كان يجثم على صدره من ألم تلك الذكرى، فهذا يعد علاجا روحيا، كما أشار إليه الأطباء.
وبين ألوان من الحزن والبكاء، مرت على البشرية منذ التاريخ الأول إلى يومنا الحالي، يبقى الحزن اللون المتجدد والذي لا يوازيه أي لون آخر لدقته وخصوصيته لدى الناس.