آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

التوازن النفسي

محمد العلي * مجلة اليمامة

التوازن هو تعادل كفتي الميزان. وهذا ممكن في الأشياء المادية، أما التوازن النفسي، فهو مرتبط بظروف ذاتية وموضوعية عديدة: اقتصادية واجتماعية ووراثية وقدرات فردية وظمأ معرفي. وهذه شروط لا أتصور اجتماعها إلا في أفراد، هم خارج الجاذبية الأرضية. أما إذا أردت أن تكون في مهب الآراء التي تدعي إيصالك إلى هذا التوازن النفسي، فاسأل غوغل؛ لتضحك حتى «تنسدح» على قفاك.

فهذا العالم النفسي يوصيك بالتغذية الرومانسية المحتوية على السعرات الحرارية اللازمة للجسد، وذاك بالرياضة البرازيلية، وثالث بالنوم الجيد وهكذا. ولن تجد في ذلك الحشد من الآراء سوى رأي واحد له علاقة بالنفس، هو أن التوازن النفسي يتوقف على حرية التعبير عما في داخلك، والرضا بما أنت فيه. أما من يحاولون الفرار من واقعهم أي مما هو كائن إلى ما يجب أن يكون، فهم أشد تمزقا من غيرهم، وأبعدهم عن التوازن النفسي. وقد شبههم أحد الكتاب بالشخصية الأسطورية «تانتالوس» الذي حكمت عليه الآلهة بأن يظل في بركة ماء، تظلله أشجار مثمرة، والماء والثمر كلاهما في متناول فمه، ولكنه حين يحاول الشرب، ينخفض الماء، فيبقى ظامئا، وحين يحاول الأكل ترتفع الأغصان، فيبقى جائعا. ولا أدري هل كان «عمنا» يحدس شيئا مماثلا لهذه الأسطورة حين قال: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله / وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم»؟ ولكن لماذا تصبح المعرفة عذابا مؤرقا، في حين يصفونها بالنور الذي يضيء القلب؟ إنها تصبح كذلك؛ لأن من يشرب منها لا يرتوي، بل يزداد ظمأ.

أحد المفكرين وصف الحضارة الغربية بأنها «حضارة فاوست» وكان فاوست حسب الأسطورة غير راض عن مستواه المعرفي، لأنه لم يوصله إلى الكشف عن سر الحياة، وكان يعاني من «عذاب المعرفة» كما جاء في مسرحية فاوست لجوته: «ليتك أيها البدر تشاهد عذابي، يا ليتني أسير في ضوئك وأتخلص من كل عذاب المعرفة» لذا باع روحه للشيطان ليوصله إلى المعرفة المطلقة.

نعم. هذه هي الحضارة الغربية التي باعت روحها لشيطان المال، فأصبحت حضارة بلا روح. ترى بعينيها الإبادة الجماعية للأطفال والنساء، وتنكر بصفاقة همجية أنها رأت ذلك. لأن الإنسان لا يرى بعينيه إذا لم تكن به روح. «وما انتفاع أخي الدنيا بناظره / إذا استوت عنده الأنوار والظلم»

كاتب وأديب