آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

تشبّث بنومك

محمد العلي * مجلة اليمامة

«تشبث بموتك أيها المغفل»

هكذا خاطب الماغوط السياب بعد موته، مفضّلا العدم على الوجود البائس الذي كان يتجرّعه، بل يعتبر الموت بمثابة زورق لاح لغريق. معيدا الصدى الحارق لقول عمنا «كفى بك داء أن ترى الموت شافيا..» لكننا نحن نخاطب أحياء، لذا سنعيد ما قاله الشاعر العراقي الساخر أحمد مطر: «صباح هذا اليوم / أيقظني منبّه الساعة / وقال لي يا ابن العرب / قد حان وقت النوم»

النوم، في ثقافتنا، اتخذ رمزا للازدراء والغفلة والعجز الفكري، والاستسلام، وقد استخدمه الجواهري نافذة للأحلام التعويضية «: نامي فإن لم تشبعي / من يقظة فمن المنام / تتنوري قرص الشعير / كطلعة البدر التمام» الآن دعني أسألك: أنت، على أية كيفية تذهب إلى النوم؟ هل تذهب لأنك لابد أن تذهب، أي النوم للنوم، كما يقال» الفن للفن» أم تريد أن تصبح صيّادا للأحلام؟ إنني أنتظر إجابتك.

النوم كرمز أشد وقعا على النفس من غيره؛ لأنه غياب تام للإرادة، واستسلام مطلق غير واع للوحل الذي فيه النائم. إنه «موت صغير» ولكنه عيد كبير للعقل الباطن، فهناك في رحابه المترامية يفتح أبواب مغاراته المحجّبة، وما لديه من حدائق مضمرة، ويأمر القمر بأن يمشي الهوينا حين يمر عليه وعلى مغاراته وحدائقه.

النوم يخلّصك من قبضة الحزن ومخالب الألم، إن كنت تعاني من تلك الحالة المحرقة، أما حين تكون فرحا، وتكاد ترفرف ابتهاجا، فهو سيكون سخيا، ويمدك بأحلام، يقسم ابن سيرين على أنها ستجلب لك السرور، حتى لو كان في المريخ.

«لابد أن نحلم»

هكذا قال أحد الفلاسفة. فلا تظنن أنه يدعوك إلى النوم، كما دعا المنبه أحمد مطر. كلا.. إنه يدعوك إلى عدم الوقوف عند أية درجة من درجات السلم الحضاري، أو الاكتفاء بما هو واقع، لك أو لمجتمعك. بل عليك الاجتهاد في ألا تقف. ما يدعونا إليه هذا الفيلسوف هي أحلام البناء. أحلام المستقبل. إن كل الفتوحات التي حققها العلم في كل ميدان، كانت أحلاما حققها السهر، لا لعد النجوم، كما هي بضاعة شعرائنا الأشاوس، بل لجعل الحياة أكثر زهوا.

كاتب وأديب