آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

أفول

محمد العلي * مجلة اليمامة

كانت عاصفة مدمرة تلك التي أثارها في داخلي كوكبان مضيئان في ثقافتنا هما متعدد الضوء أدونيس والدكتور الفاضل علي فخرو. تلك العاصفة الغاضبة هي كلمة «انقراض» التي نطق بها كل منهما في الحديث عن واقع الأمة العربية في حاضرها. أدونيس كررها منذ زمن، أما فخرو فلأول مرة أسمعها منه.

الانقراض نهاية وجود نوع ما من الكائنات الحية. وهذا ما قصده كل من أدونيس وفخرو. ولذا كان فاجعا، وليس في وسع من يسمعه إلا أن يملأ الحزن قلبه، ويدفعه دفعا إلى تفكير يسبق العاطفة، ثم إلى التساؤل هل هذا ممكن في أمة أضاءت التاريخ فترة طويلة؟!

الوجود قائم على سباق القوى. إن لم أقل صراعها، سواء كان سباق فرد أو أمة، فما هي القوى في زماننا؟ هي قوى الحداثة الثلاث: العلم، والعقلانية، والتكنولوجيا، فما هي خيلنا في هذه الميادين؟ يقول شاعر عراقي نسيت اسمه «شدّوا فقلنا على اسم الله غارتهم / تظنها الخيل إلا أنها قصب» وأترك لك الإجابة عن السؤال، منتظرا ما تقول. وأعتقد أنك ستردد ما قاله الشاعر أحمد يحيى القيسي: «بالوهم ننجوا من هزائمنا / ونرسم ألف باب في جدار اليأس / كي نجتازه بالملهيات... الخ» أما أنا فسأردد ما قاله وليام جيمس: «بالرغم من أن الماضي يعلمنا أن الغربان جميعا سوداء، إلا أننا يجب ألا نتوقف عن البحث عن الغراب الأبيض» أي أن الظمأ المعرفي، أو الفضول العلمي، أو افتضاض المجهول هو ما تنهض به الأمة.

لنسأل، بألم، ما الذي ولد هذا الحدس الممض بانقراض الأمة العربية عند بعض المفكرين؟ هل نقنع بفقدان القوى الثلاث «العلم والعقلانية والتكنولوجيا»؟ كلا. هذه القوى لم تتكوّن من تلقاء نفسها، بل تكونت من «إرادة القوة» لا بمعناها عند نيتشه، بل بمعناها الإيجابي، وهو الحافز إلى الارتفاع الدائم في سلم الفكر والإبداع وجميع ميادين الازدهار النفسي والاجتماعي، إن أمتنا تفتقد الإرادة، وفقدان الإرادة، معناه الاستسلام للأقوى، أي من يملك إرادة القوة. وهذا ما عليه الأمة الآن. ولكن لي ولك ولأدونيس وفخرو أن ندعوا على السبات الخريفي الجاثم على الجامعة المجيدة؛ لتزأر على هذا الحدس الدخيل بالانقراض، فيولي هاربا، لا يشق له غبار، لا في الليل ولا في النهار.

كاتب وأديب