الخصائص الفنية للرسوم والزخارف المستخدمة في تزويق أجزاء القرآن الكريم التي خطها الشيخ محمد البقشي قدس الله سره
الدكتور سعيد الوايل
باحث في الفنون التراثية والزخرفية
يتبع تخطيط أجزاء المصحف نمط فني موحد، وتنطلق هذه الزخارف والرسوم والألوان التي قام بعملها الشيخ محمد البقشي في أجزاء القرآن الكريم من أسس وقواعد فنية لها علاقة وارتباط بالفنون والزخارف الإسلامية وبخاصة ما يتعلق منها بالزخارف والرسوم التي كانت تزوق بها آيات المصحف الشريف وكذلك بعض المخطوطات القديمة، وهي ترتبط بشكل أساس بمدارس التصوير الإسلامي في تزويق المصاحف والمخطوطات المزينة بالرسوم الملونة التي كانت معروفة والتي انتشرت في المراكز والعواصم الإسلامية الهامة التي أبدع فيها الخطاطون والنساخون، وكان لكل عصر إسلامي مميزاته وخصائصه التي تميز بها.
وهذه الرسوم والزخارف في مجملها ترتبط بناحيتين أساسيتين:
- الأولى: الزخارف والنفوش الإسلامية
- الثاني: الزخارف والرسوم المتعارف عليها في المشغولات الفنية المحلية التي كانت ترسم وتنقش في الأحساء
في السمات العامة لأسلوب الرسم والزخرفة والتلوين المستخدم في تزويق أجزاء القرآن الكريم التي قام بنسخها الشيخ محمد البقشي يمكننا الوقوف عند ستة محاور فنية رئيسة:
1 - الزخارف المحددة لبداية كل سورة:
وهي زخارف زهرية تبتدأ بها السورة، وهي متنوعة بين سورة وأخري، وقد وتأتي على مستويين:
المستوى الأول: خط متصل من عنصر زخرفي إسلامي مجنح له ثلاثة براعم مرسوم بأسلوب التنقيط باللون الأسود، وهو معروف ومشهور كثيراً في الزخارف المعمارية في تراث الأحساء وكان ينقش في الجص والخشب وبخاصة في البوابات والمداخل.
المستوى الثاني: زخرفة نباتية تأتي تحت اسم السورة، قوامها زخرفة متشابكة متصلة وممتدة مرسومة بأسلوب التنقيط للزخارف النباتية تأتي بشكل متناوب ومتموج، يعمل المزخرف فيها على التحكم في هذا التموج بما يمتلكه من قدرات فنية وموهبة في الرسم وتصور عناصر الزخرفة بشكل جميل، وهي أقرب لزهرة الزنبقة التي استخدمت في الفن الإسلامي وغيرها من الفنون الإنسانية عبر مختلف العصور.
2 - الزخارف المحددة لبداية كل جزء من الأجزاء الثلاثين:
وهي زخارف مرسومة في الهامش الخارجي للصفحة ومحاذية للإطار ومكتوب فيها رقم الجزء، ومرسومة بنفس أسلوب التنقيط المستخدم لشكل معين له أربعة رؤوس نباتية ذات براعم جانبية استخدمت كثيراً في الرسوم الجصية والخشبية التراثية في الأحساء.
3 - الإطارات الهندسية التي تحيط بالصفحات:
توجد زخارف ملونة ومرسومة بشكل هندسي على شكل إطارات محددة لكل صفحة قوامها أشكال هندسية، فمن الخصائص الفنية التي اختصت بها هذه الأجزاء أن الناسخ خطط لصفحات الأجزاء بشكل دقيق ومتوازن وبنظرة فنية ثاقبة، ومنها الشكل الفني المحيط بكل صفحة، والذي يتضح لنا فيها أهم صفة تتميز بها الأعمال الفنية المرسومة باليد، أي غير المطبوعة أو المكررة آلياً، وهو ما يظهر من خلال أشكال المعينات والمثلثات وأحجامها، والتي تحتويها الإطارات الخارجية للصفحات والتي تم تكرارها يدوياً لذلك تظهر قريبة من بعضها لكنها غير متطابقة تماماً.
استحسن الناسخ التويع في زخرفة الإطارات بعمل الإطار العلوي من نوع الزخارف الإسلامية المعروفة بزخرفة «المسننات» وهي زخرفة قوامها مثلثات متتالية، أما في الأطراف والأسفل فقد اختار الناسخ أشكال هندسية عبارة عن معينات صغيرة متتالية بشكل فني بديع مرسومة وملونة باللون البرتقالي الزاهي.
4 - زخرفة مركزية في نهاية كل جزء:
يخص الناسخ الشيخ محمد البقشي الصفحة الأخيرة من الجزء الأول مع نهاية الآية الأخيرة ويميزها بزخرفة مركزية كبيرة كنهاية لهذا الجزء، ويقسمها إلى منطقتين:
- الأولى: في الأعلى على شكل زخرفة نصف دائرية تتوسط منتصف الصفحة مطرزة بخطين افقيين من نفس لون الخطوط البرتقالية الرأسية لتحديد نهاية الآية، وهذا الشكل النصف دائري محدد دورانه بأقواس صغيرة متتالية مرسومة بأسلوب التنقيط باللون الأسود ومطعمة بنقط برتقالية على الجوانب
- الثاني: زخرفة نباتية تنسدل من وسط نصف القوس العلوي بأسلوب فني جميل مرسوم بأسلوب التنقيط باللون الأسود لزخرفة نباتية ذات براعم جانبية أقرب لزهرة الزنبق مطعمة باللون البرتقالي السائد في بقية الصفحات.
5 - استخدام أسلوب التنقيط:
وهو أسلوب مؤثر ومعروف استخدم بشكل واسع في زخرفة معظم أنواع الفنون الإسلامية بأسلوب الرسم بالتنقيط أو التأثير المباشر لشغل الفراغات على الخامة المراد زخرفتها في القطع التي تركب في المباني كالأبواب والقطع الجصية والحجرية، أو في زخرفة الأواني الفخارية والمعدنية بأسلوب التنقيط.
6 - الألوان المستخدمة:
وتعتبر الألوان من العناصر الفنية التي استخدمها المسلمون في تزويق المصاحف والمخطوطات المختلفة كعنصر جمالي ووظيفي يحمل دلالات مختلفة، ولدراسة الألوان المستخدمة في عملية تزويق المصحف أهمية كبيرة. وقد تميز كل عصر من العصور الإسلامية بألوان معينة استخدمها الخطاطون والنساخون في عملية التزويق وهو ما له دلالة معينة، إضافة للألوان التي كانت متاحة من الألوان الطبيعية التي كانت تستخدم في الخط والرسم.